آراء

#آراء | الكاتبة السعودية ليلى الزاهر .. تكتب “حديثٌ دَوَّى المفاوز”

بلا شك أن العمل متعب ، وإتقانه حظوة كبرى والوصول إلى الاحتراف فيه منقبة عظمى، لأننا ندرك بأن العمل حياة من حيث لايعلم البعض، حتى وأن كان التَبَرُّم ديدن الكثير في ذهابه لعمله في الوقت الذي يتمنى عمله الكثير ممن هم حوله .

إن لذّة العمل تبدو عندما يأخذ صاحبه أجره فتوصله لمرحلة الاكتفاء الذاتي عن الآخرين، فكيف بالعمل الخيري الذي له حساب مفتوح من خزائن لاتنفد؟!

إن العمل الخيريّ له وقْعه المميز وفضله أكبر من أن يُوازي الجبال سموقا وأجلّ من أن يُذكر في المحافل تباهيًا، والحقيقة ان مما دفعني لكتابة هذه الكلمات قصة سمعتها فأحببتُ مشاركة الآخرين بها ، دون تصريح بأسماء أو تجريح لأحد.

تتلخص قصتي في حديث جمعني بإحدى زميلاتي ربما كان حديثا نادرا لأنه يحمل جميع معاني الرحمة، أو ربما كان أشبه بعملة أصحاب أهل الكهف التي ضلّت وسط زحام العملات، حدثتني عن العمل الخيري الذي يخلق حياة كوثرية رغدة في أرض أبيّة. بدأت تعزف ألحانا تدوي بالمفاوز ليلًا وحلّقتُ بدوري في ساحة أفكارها ومقتنياتها الثمينة لأسمع سردّها الأنيق قائلة : كانت طالبة مثابرة ، محبة للعلم ، غراسها شهي ومخرجاتها العلمية طيبٌ أُكلها ، إلا أنها تشكو ضيق ذات اليد ، أيْتمها القدر ، وصبّت عليها أيامُ الدهرِ أحزانًا تترى ، أبصرت نفسها دون جامعة بعد مرض شديد فالجامعة لم تقتنع بأعذارها الطبية. كانت في بداية مشوارها العلمي ، قررت أن أساعدها بكل جوارحي فقمتُ بإعطائها القسط الأول لجامعة أهلية ثم توالت الأقساط التي لم أستطع الالتزام بها لولا مساعدة بعض زميلاتي في العمل . إلى أن تم فضل الله وإحسانه عليها وتحولت للمنح الدراسية وأكملت مشوارها التعليمي وهي الآن في بداية خطواتها الوظيفية .استطاعت اجتياز جميع عقباتها وارتادت كل منازل الإنجاز بتفوق ، هي تستحق النجاح لأنها من ذويه، قطعت أشواطا ، ومنحتْ من حولها الثقة فيها لمواصلة مساندتها طوال فترة تعليمها.

إن العمل الإنساني له طابع الرحمة ويستقي ينابيعه من المعين الإلهي لأن الرحمة من صفات الذات الإلهية المقدسة ، وعنوانها الإنساني يبعث السعادة في هذا الكون الزاخر بهبات الله تعالى . إذ لايوجد إنسان يتفضّل على إنسان بمال أو بأي شيء آخر، فما نحن إلا بشر يُسخّرنا الله تعالى لخدمة بعضنا بعضا ، قال الله تعالى في كتابه الكريم :

(نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)  [الزخرف: 32].

عندما يفوح عبير التعاون وحب المسلم لأخيه المسلم تكتمل دائرة الحب في الله .

ليلى الزاهر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى