#آراء | جاسم الجاسم يكتب “الغشاشون هم المفسدون”
ومع قرب ماراثون الامتحانات النهائية لطلبة المدارس، لا يسعني في هذا المقام وفي رأس هذا المقال سوى الاستفتاح بالدعاء لهم بالتوفيق والنجاح وأن ينهض الله بهم الأمة فبالعلم تحيا الأمم، فما هي إلا سويعات وأيام ماضية سيذكرها الطلاب لاحقا حينما يتنفسون الإجازة والناجحون منهم يصعدون سلم الحياة نحو الوظيفة والشقاء والتعب، وسيدرك الجميع حجم النعيم ما هم فيه ويقولون بصوت واحد: ليتنا نرد فنستغل كل دقيقة من حياتنا بالدراسة.
لعلك قد لحظت أني لم أذكر الفئة المقابلة للناجحين، ولي في هذا مآرب أخرى وحاجة في نفسي ستكشف نفسها في لب الموضوع وقلبه، فإن هذه الحياة من عجائبها أنك إذا اعتدت على فعل شيء فيها صارت خلقا مطبوعا في جل أفعالك تعتاد عليه وتألفه، فتصبح كالطبيعة التي لا مساس في أصلها ولا اختلال في توازنها، بل المختل من يخرج على قوانينها ويتوقع – ظنا منه – أن خروجه سيكون في محل رفع نتائج طيبة ومثمرة، فينقلب الطبع إلى فكر ومذهب يشرب منه كل جاهل ليرتوي منها فكرا أعوج، فيضفي إليها طابع الحكمة وهي شر نبت من رحم جهل مركب!
تتجلى وتتبختر أمام عيني الآن وأنا أكتب، تلك المقولة الشهيرة أو الأثر “كثرة المساس تميت الإحساس” فالإنسان إذا جُبل على فعل شيء لا يتردد في فعله مرة أخرى، بل يجعل من عدم فعله منكر مخالف للمنطق ولو بينت له الحقيقة تحت المجهر، وأسهل حجة يرميها عليك أن يستشهد بحجة “ألا ترى الفاعلين أنهم هم الأغلب والأكثر…” بلى ولكن أكثرهم للحق كارهون وقد لا يعلمون كل ما أعلم!
إن فعل الغش أول مرة يولد الخوف والارتعاش ثم الإحساس بالندم، فإن تجاوز تلك المرحلة يدخل في فكرة إعادة الكرّة كالمقامر إذا ربح يجرب حظه مرة أخرى، فإن قبضوا عليه وعوقب خسر كل شيء وهوى في شرك النفس اللوامة؛ ليتعلم درسا من حياته أن طعم الفشل أهون عليه من مرارة القبض عليه بالغش كمجرم قبضت عليه أيدي العدالة، ولكن ماذا لو نجى من تلك العقوبة؟ بتدخل سافر من ولي أمره، بل ماذا لو أجرم المعلم بتحريض طلبته على الغش بحجة المساعدة والنية الحسنة، فيكون كمن قيل في حقه بالمثل الشعبي “حاميها حراميها”.
إن اعتياد المجرم على الهروب من جريمته وعقوبته يدفعه لفعل المزيد والمزيد بل تتطور معه الفكرة إلى أن يغش بحق نفسه والآخرين، فتفسد كل أفعاله نتيجة ذلك التسلسل الجاري منذ نشأته بأن أكثرهم يغشون ويفلتون من العقاب ويصعدون المناصب التي لم يستحقوها منذ أن نالوا تلك الشهادة المزورة، فيقول في نفسه: “لماذا لا أكون مثلهم؟ بل من العقل ألا أخالفهم!” فيستمر مسلسل الفساد معه إلى أعلى منصب لا يستحقه فيناله بتلك الفكرة الفاسدة المتدحرجة من على تلك الحقيقة الكامنة وهي “الغشاشون… هم المفسدون!”
جاسم الجاسم