آراء

#آراء | دانة محمود النوري .. تكتب: “FOMO أو JOMO”

تزدهر الحياة بفطرة الإنسان الاجتماعية وميله للعيش في جماعة والتواصل مع أفرادها. ولكي يحيا الإنسان هذه الحياة الاجتماعية لا بد أن يشارك في العديد من أوجهها كزيارات الأهل، ولقاءات الأصدقاء، وغيرها من المناسبات الاجتماعية المختلفة. في دراسة مبسطة أجريتها على شريحة من 46 شخص، يقيس أحد الأسئلة مدى ميل الأشخاص للمشاركة في المناسبات الاجتماعية، كحفل ما. فجاءت الإجابات كالتالي، إذ يفضل 67.39% البقاء في الحفل حتى الشعور بالاكتفاء، فيما يفضل 23.91% البقاء حتى انتهاء الحفل، أما 8.7% قرروا أن يبقوا لبعض الوقت فحسب، ليبينوا بأنهم قد حضروا الحفل.

الحياة أشبه بالمعرض الكبير، فهي تقدم الكثير من “السلع” المتنوعة، فأمام الإنسان الكثير والكثير من الخيارات التي يقبل عليها. في كل يوم جديد تقدم الحياة فرص متنوعة سواء على الصعيد الوظيفي أو الاجتماعي أو غيرها من الأصعدة.

بحسب عقلية الإنسان، الكائن الاجتماعي المحب بطبعه للتطوير والتغير، فمن الجيد أن يقبل الإنسان على حياته منتقيا ما يلائمه من فرص، بناء على تخطيط ودراية. من خلال الدراسة، يقيس أحد الأسئلة مدى إقبال الأشخاص على الفرص الجديدة في حياتهم أو التمسك بوضعهم الحالي مع رجاء تطويره. فكانت الإجابات بأن فضل 50% من الأشخاص البقاء في وظيفتهم الحالية بانتظار تحقيق المزيد من الإنجازات، فيها ذهب 50% إلى التقدم للوظيفة الأخرى المتاحة أمامه.

        تختلف ردود أفعال الأشخاص تجاه الأحداث التي تطرأ على حياتهم بين الإيجابية والسلبية. قد يتعرض أي شخص، في وقت ما، للشعور بالقلق أو الانزعاج عندما يعرف أن أقرانه في هذه اللحظة يقضون وقتا ممتعا، بينما لا يستطيع “هو” مشاركتهم لسبب أو لآخر.

تتباين كيفية معالجة الأشخاص لهذا الشعور بالانزعاج والقلق، فقد يتمكن أحدهم من السيطرة على ذلك الشعور، وكبح جماحه، وعدم إفساح المجال له”لجعل يومه، يوم أسود”.بينما يستسلم شخص آخر لذلك الشعور السيء، ويسمح للإحساس بالانزعاج أو القلق يكبل يومه ويجعل من ذلك اليوم “جحيما تاما”.

في حين يختلف مدى تردد هذا الشعور بالانزعاج من شخص لآخر، إلا أن ثمة مجموعة من الأشخاص يغلب عليهم هذا الشعور بشكل نمطي، وهم ما يطلق عليهم بالأشخاص الـ(FOMO)، وهو اختصار لعبارة Fear of Missing Out، أي الخوف من تفويت حدث ما أو شيء ما. يأخذ الشخص ال(فومو) قراراته بناء على التحدي السلبي بدلاً من وضع الخطط المبنية على رؤية واضحة، أو هناك من يأخذ قراره بناء على الشعور بالإحباط بسبب عدم تقدير الذات والشعور بأنه أقل من الآخرين. البعض من أشخاص الـ(فومو) من يأخذون قرارهم بناء على الأنا العالية.

ويتصف البعض الآخر من الأشخاص بأنهم غير صبورين وذوو تركيز محدود، وقد يقدمون على الدخول في مجالات لا يفقهونها أو لا يحبونها واضعين توقعات بعيدة عن أرض الواقع، ظنا منهم بأن الأمر سيكون أفضل أو أسهل أو أسرع وذلك خوفا من تفويت الفرص، كما يحرص بعض الأشخاص الـ(فومو)، ولكن بشكل سلبي، على التواجد في جميع المناسبات الاجتماعية، بهدف خوفهم من أن يفوتهم شيء ما في تلك المناسبة. فهم كانوا سيشعرون بالقلق والانزعاج ما لم يتواجدوا في هذا الحدث أو ذاك. في النهاية، يجد أشخاص الـ(فومو) من أنهم قد استُنزِفوا وجدانيا وأُنهِكوا نفسيا، وهم يعانون من القلق والتوتر بسبب سعيهم الحثيث وراء كل ما يستجد حولهم، مما قد يترتب عليه أمراض عضوية.  

 في ظل التطور التكنولوجي وسرعة نمط الحياة الجديد، أخذ أسلوب المشاركات الاجتماعية إلى حد ما شكلا جديدا. إذ باتت تطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة الوسيلة الأكثر سرعة للتواصل بين الأفراد على مدار اليوم، مما يسهل عملية الاتصال والتواصل مع المحيط الاجتماعي. فلا يكاد أحدهم أن يمسك هاتفه المحمول للتأكد من أحد الرسائل أو الإشعارات، حتى تأخذ سبابته بالتجول بين مختلف تطبيقات التواصل الاجتماعي الأخرى لمعرفة آخر الأحداث الاجتماعية والأخبار والمستجدات، التي يهتم بها الشخص، وسرعان ما تمر الدقائق متحولة إلى ساعات دون وعي.

تظهر الصورة النمطية للشخص الـ(فومو) في ظل هذا التطور، فهو الذي لا يكاد يضع هاتفه جانباً حتى تمتد يده مرة أخرى ليتأكد من أمر آخر. قد نرى الابتسامة تغمر وجوه هؤلاء الأشخاص والسعادة ترفرف حولهم وهم يمكثون ساعات طوال يتحققون من كل “شاردة وواردة” على جميع تطبيقات التواصل الاجتماعي.

إلا أن السأم والملل لا بد أن يتسلل إليهم ما لم تتوفر شبكة اتصال في مكان ما، كما أنهم سيعانون من القلق خوفا أن يفوتهم شيء ما على أحد صفحات تلك التطبيقات في تلك الأثناء. هؤلاء الأشخاص يعيشون داخل عالم افتراضي لا يستطيعون أن ينفكوا عنه، وهم مرتبطون به أكثر من ارتباطهم بالعالم الحقيقي الذي يعيشونه.  

من ناحية أخرى يبرز مفهوم آخر مضاد له وهو JOMO، يصنف هذه المفهوم الصورة النمطية للأشخاص الذي يستمتعون بتفويت بعض المناسبات أو الفرص، وهو Joy of Missing Out.

يتميز الأشخاص الـ (جومو) بأنهم يمنحون أنفسهم وقت أكثر بالاستمتاع في قضاء ما يخططون لأدائه، وهم لا يشعرون بالقلق أو الانزعاج إذا ما فاتهم أمر ما.

ففي الوقت الذي يشعرون فيه بالتعب في التخطيط لحياتهم ووضع رؤية واضحة، فإن فاتتهم فرصة ما أو مناسبة ما لسبب أو لآخر، فهم لا يقضون وقتهم “بالبكاء عليها”، ولكنهم يجعلونها تمر فحسب فالحياة مليئة بفرص أو مناسبات أخرى غيرها.

إن الأشخاص الـ(جومو) يقننون وقتهم بين الحياة الافتراضية والحياة الحقيقية، ويوازنون بينهما.

فحسب الدراسة التي أجريتها يفضل 76.09% من الأفراد في الشريحة قضاء أمسيات عطلة نهاية الأسبوع في زيارة الأهل ولقاء الأصدقاء مقابل 23.91% فضلوا الاستمتاع بهدوء المنزل والتواصل مع الأهل والأصدقاء عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي. من ناحية أخرى، فضل 95.65% من الأشخاص مشاركة الأصدقاء في أحاديثهم والإنصات لهم، فيما ذكر 4.35% بأنهم يتابعون مواقع التواصل الاجتماعي أثناء لقاء الأصدقاء.

 

دانة محمود النوري

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى