#آراء | ليلى الزاهر .. تكتب: “بعض الكلام دواء”
تصدّر حديثه قائلا : (الكلام مثل الدواء إذا أقللت منه نفع وإن أكثرت منه صَدَعَ) كنت أستمع إليه حرفا حرفا وكلمة تعقبها كلمة اصطفت بأجمل نسْق وكأنه لحن موسيقي يستلذّ به أصحابه.
كلامه كمحاضر ناجح أثرى العقل وأمتع الوجدان ، ولغته البسيطة أضافت إليه حضورا متفاعلا، قد أعجبني ذلك كله لكن ماتصدّر قائمة إعجابي وإعجاب الناس به هو تركه للمجادلة وإثبات الخطأ على مجادليه في بعض المواقف مما أكسبه وقارا واحتراما.
إن جدال الطرف الآخر خصومة وطالب الجدال لايمكن وصفه بكمال العقل وإن اتّصف أحيانا بالدهاء إذ يعد الجدال من علامات التعسف يتحيل صاحبه فرص الانتصار على خصمه ليتشفى منه.
قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾، اذ إن الجدال لغة ممقوتة ، يفسد العلاقات ، ويقطع أواصر الأرحام ، بل تعدى ذلك لإفساد بعض العبادات ، وقال الله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾، و مع صاحبك المُجادِل وضعت نفسك بجوار المستنقعات الآسنة ، وأبحرت معه بأشرعة ممزقة لذلك فأن تركه أسلم ومدعاة التحرر من قيد جدله أفضل.
ومهما طوّعت جميع إمكانياتك في حلبة النقاش سوف تستهلك من قوتك وصحتك وتعود لنقطة البدء مثْبطا، لذلك دعا الإسلام لترك الجدال ونبذ التخاصم الذي يتمخّض عنه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا …)
إن للحديث مع الآخر لحنا يفهمه أرباب الذوق فكن أحد عازفيه وإن اجتماع الكلمة بين المتحابين من أقوى مكونات العروش القويّة، وأمنع القلاع العتيدة. أما الاختلاف والجدال مقوض سريع للحب لايخرج من تحت جناحيه غير الضعف والتفكك، ويمحو معالم القوة بين الأفراد في مختلف منظومتهم الاجتماعية والأسرية، قال عبداللّه بن عباس رضي الله عنهما: (كَفَى بِكَ إِثْمًا أَلا تَزَالَ مُمَارِيًا، وَكَفَى بِكَ ظُلْمًا أَلا تَزَالَ مُخَاصِمًا)
أُنهي حديثي بعبارة جميلة للكاتب الدكتور صلاح الراشد يقول فيها :(تعلّم أن تنسحب من الجدال ولو كنت محقا ، لابأس أن تكون محقّا دون أن تبين أنك محق) وخاصة عندما يعلم الجميع مسبقا بأنك ترتدي لباس الصدق ويؤمنون بذلك.
ليلى الزاهر