“لولوة” فتاة طبعت الابتسامة على ملامح وجهها الطفولي، كانت تجلس بالقرب من امرأة تماثل والدتها العمر، ساكنة لا تكاد تتحرك بل انني أكاد أجزم بعدم رؤيتي لها لتلاشي جسدها النحيل خلف المرأة الجالسة بالقرب منها.
سألتها : أنتي تدرسين هنا ؟؟ في هذا الفصل ؟؟ أشارت برأسها نعم، أثارت فضولي واستولت على كل انتباهي واهتمامي بهدوئها الكامل، فأعقبت السؤال بآخر : كم عمرك ؟؟ أجابت بإبتسامة أوسع وأجمل اثنا عشر عاماً، يا الله عمرك اثنا عشر عاما وتدرسين هنا؟!
كررت الكلام بلا أدنى تفكير أجابت بكل ثقة وهدوء أزاح المنطق حتى كدت أصدقها “نعم عمري اثنا عشر عاماً”، أجابت احدى النساء المتواجدات بالفصل : أستاذة هي لا تملك المقدرة العقلية الكافية فبالله عليك كفي الأسئلة! والأخرى علقت بأنها من ذوي الاحتياجات الخاصة والأخرى كانت تشجعها ببرود كرهت سماعه فكيف بها هي؟
أما ”لولوة” لم تتأثر بما كان يدور حولها وظلت تلك الابتسامة المشيدة على وجهها ظاهرة تستمع لكلامهن ولا تلقي له بالاً.
طلبت منها كتابة كلمة بسيطة ”درس” هل يمكنك كتابتها ؟؟ أومأت برأسها بشدة نعم أستطيع، أمسكت بالقلم وظننت أنها لن تستطيع ” سامحيني هذا ما تبادر في ذهني وجزمت بتحققه ” لكنها كانت رائعة كتبت الكلمة بسرعة قياسية وفرح، سألتها تستطيعين كتابتها مرة أخرى ؟؟ أجابت بفرح نعم! وكم كانت فرحتي بها كتبتها ثانية وثالثة بدون أن ترى الكلمة وعادت لمكان جلوسها وهي تردد سأخبرها أنني ” كتبت ”! سأخبرها أنني ” كتبت ”! وهي تلعب بيديها بالهواء كطفلة صغيرة نظرت لبقية الفصل!
من تقصد ؟؟ المعلمة ؟؟ أجابت احدى النساء بل ” أمها ”! تحمس الجميع للمشاركة في ” الكتابة ” وتحمست هي بالمشاركة بذكاء تخفيه اذا نظرت لها وتظهره اذا أشحت النظر عنها.
بعد انتهاء الحصة وخروجي من الفصل شعرت بصداع رهيب في رأسي، لماذا توقف العد عندها لذاك العمر ؟؟ أم أنه رقم افتراضي تردده بتلقين شخص آخر ليرحم ضعفها ويعي نقص قدرتها العقلية! ما الذي يميز عالم الكبار عنهم حتى تكون قد انتقصت شيئا أو حتى فاتها الكثير! لا شيء …. نحن ننظم الكلمات الكثيرة لتكون العبارات وهم ينظمون الكلمات القليلة لتختزل العبارات.
منيفة العازمي