تهدف أكاديمية لوياك للفنون الأدائية (لابا)، إلى بث روح الحياة في فن الأكابيلا الضائع، من خلال تقديم مجموعة معزوفات متنوعة.
هل يمكن إنتاج موسيقى دون الاستعانة بالآلات الموسيقية؟ وهل تستطيع الأصوات البشرية محاكاة الأوركسترا؟ الإجابة عن ذلك نجدها في فن الأكابيلا، الذي يستغني عن الآلات، ويعتمد كُليا على الصوت البشري.
هذا الفن الضائع، أو غير المعروف للكثيرين، قدَّمته أكاديمية لوياك للفنون الأدائية (لابا) أخيرا، من خلال مجموعة معزوفات كلاسيكية وأغانٍ عربية بأسلوب الأكابيلا، أبرزها أغنية “بكرا نهار جديد” بدقة وحرفية عالية توحي للمستمع أنه في حضرة أوركسترا من الآلات، لغناها بالجُمل الموسيقية والهارموني والإيقاع.
العمل من البيت
هذه التجربة الفريدة من نوعها في الكويت قادها مايسترو الأكاديمية يوسف بارا، ورئيسة قسم الموسيقى نسرين ناصر، بمشاركة أعضاء من كورال الأكاديمية. واللافت أنه تم إنتاج هذه الأعمال من البيوت.
وشرحت ناصر كيف أن فن الأكابيلا يتطلب مجهوداً كبيراً، ودراية واسعة بالتوزيع الموسيقي والصوت البشري. ولتوضيح الفكرة أكثر، قالت إنه يبدأ بغناء خط اللحن الأساسي، ثم يحيط بهذا الخط الموسيقي مجموعة خطوط موسيقية أخرى تخدم بفكرتها وظيفة الكمنجات والتشيلو والباص والآلات النفخية، وغيرها من الآلات التي تفرش الأرضية الموسيقية لهذا اللحن. وقد تكون هذه الجُمل على هيئة آهات، أو حروف معينة، أو حتى كلام الأغنية نفسه.
حركة جسدية
أما الإيقاع، فهو عبارة عن إصدار أصوات بواسطة الفم (بيت بوكس) تشبه صوت الدرامز أو الآلة الإيقاعية التي يتخيلها الموزع، وأحياناً يتم استخدام الإيقاع الجسدي لإضافة تلك الأصوات، بما فيها الصفقة، أو الضرب بخفة على الصدر أو الرجل، أو أي حركة جسدية تُصدر صوتاً مشابهاً للإيقاع المطلوب.
الغناء السليم
وعمَّا إذا كان لأي شخص أن يغني وينفذ الأكابيلا؟ أجاب المايسترو يوسف بارا: “هذا النوع من الغناء يتطلب نوعين من الأشخاص؛ شخصا موسيقيا لديه فطرة التأليف ومتعمقا بأصول البوليفوني (أي غناء نغمات مختلفة بنفس الوقت تشكِّل نسيجاً متآلفاً)، أو يتطلب شخصا أو كورالا يجيدان الغناء السليم.
وأشار إلى أنه يمكن لشخص واحد أن ينفذ العمل بمفرده، عبر تسجيل كل تلك الأصوات، كل صوت على حدة، ثم دمج التسجيلات، أو كورال متجانس يؤدي كل فرد منهم (أو مجموعة أفراد) خطاً لحنياً معيناً.
الجُمل اللحنية
وحول مراحل تسجيل أغنية “أكابيلا”، قالت نسرين ناصر: “هناك خطوات تلي الغناء والتسجيل، ليتم تقديم العمل بشكل لطيف. ويجب الانتباه إلى أن بعض المغنين يؤدون بصوت مرتفع، وآخرون بصوت منخفض، كما أن بعض الجُمل اللحنية يجب أن تبرز أكثر من أخرى، لذا بعد التسجيل تأتي خطوة الميكس والماستر، لتعديل جميع الأصوات بالمستويات المطلوبة، ومنح التلوين السمعي للخطوط المغناة لإنتاج أنظف وأنقى صوت ممكن يقدم القالب بشكلٍ متوازن”.
وعن غياب هذا الفن من حفلات الموسيقى في العالم العربي، قال بارا: “الموضوع ليس بتلك السهولة، وخاصة أن الحفلات تتضمن عدداً كبيراً من الأغاني، لذا فإن تدريب المغنين عليها، بتوزيعاتها الدسمة، يتطلب وقتاً كبيراً، وتدريبات مكثفة لإنتاجها. واليوم، عامل الوقت من أهم عوامل الإنتاج الموسيقي. وعندما يكون المنتجون في سباق مع الوقت، لا يفضلون الاستثمار في هكذا نوع من الفنون. كما أن احتمالية الخطأ عند الأداء تكون كبيرة، فبالنهاية، هذه أصوات بشرية، وليست آلات”.
الصوت البشري
وعن إقامة ورش تدريب موسيقية لهذا الفن، من خلال “لابا”، أكدت نسرين أن فترة الحظر في المنازل ألهمتهم العودة لأسلوب الأكابيلا، خصوصا أن الكثير من المغنين والموسيقيين تعذَّر عليهم الوصول إلى الاستديوهات وحتى إلى الآلات. لذا، كان الصوت البشري هو الوحيد القادر على تلبية نداء الموسيقى، والتفوق على آلات الأوركسترا، في أي وقت وبأي مكان. فالعودة إلى الأصل والأساس، أي الصوت، أمر مبهر، ولابد من إحياء الفن الضائع هذا. لذا، تتحضَّر أكاديمية لوياك في المستقبل القريب إلى تقديم ورش عمل مكثفة لتعريف الموسيقيين والمغنين بهذا الفن، وكل ما يتطلبه لإنتاجه.
الجريدة