أكاديميون عن العروض المسرحية الـ «أونلاين»: خالد رمضان: إنقاذ للوضع الحالي.. وعبدالله العابر: ليست وريثاً شرعياً للمسرح الحي

َ ظهرت خلال أزمة كورونا الصحيَّة، التي فرضت سطوتها على العالم بأسره، عروض فنية متنوعة عبر وسائل التواصل الحديثة، فكانت الحفلات أونلاين، وكذلك العروض والفعاليات الأخرى.

«الجريدة» استطلعت آراء بعض الأكاديميين في المسرح، لوضع النقاط على الحروف، وتحديد ما إذا كانت عروض الأونلاين تُعد وريثاً شرعياً للمسرح الحي المتعارف عليه، فجاءت إجاباتهم متباينة، حيث أشار عميد الفنون المسرحية الأسبق د. خالد رمضان إلى أن المسرح في أساسه عرض حي، وتواصل بين الصالة والخشبة، وتفاعل بين الممثلين والجمهور، لكن ما تم تقديمه الآن مجرَّد حل بديل، بسبب ظروف طارئة.

في حين قال المخرج والكاتب بدر محارب، إن مسرح الأونلاين يقترب كثيراً من البرامج المنوعة التلفزيونية، أو من السينما، لأنه يعتمد على تعبير الوجه، وعلى الصورة، والكاميرا، فيما يعتمد المسرح على التعبير الجسدي، والإلقاء، والمتلقي الموجود في مكان العرض بجدرانه وخشبته.

فيما قالت رئيسة قسم النقد والأدب المسرحي سعداء الدعاس، إن المسرح فن حي وحيوي، يتنفس بالجمهور، معتمداً على التلقي المباشر بالدرجة الأولى.

بدوره، يرى د. عبدالله العابر أن العروض الحالية هي محاولات لإثباب الوجود، و«أنا لستُ ضدها، ولا أعارضها، لأنها تثبت أن المسرح موجود».

بداية، قال الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين، د. خالد رمضان، إن “هناك أفكارا جديدة ظهرت مع انتشار (كوفيد 19)”، معتبراً أن الإنسان يحرص على التأقلم مع المحيط الذي يعيش فيه.

وأضاف: “في ظل انتشار فيروس كورونا، وما استتبع ذلك من إجراءات تقوم بها الدول، ومنها الكويت، من حجر، وغيرها، استلزم وضع شروط صحيَّة صارمة تفرض إقامة جبرية أو شبه حبس على الناس في منازلهم، وحتماً هذه الأجواء والاحترازات تُشعر الناس بالملل والضجر، فمن الطبيعي أن يبحث الناس عن أي وسيلة للتسلية، لتبديد السأم، والمسرح والسينما لم يكونا بمنأى عن هذه الظروف، فأصبحت وسائل الترفيه محدودة، وتقتصر على وسائل التواصل، والمحطات التلفزيونية، ووسائل أخرى منزلية”.

عائد مالي

وبيَّن رمضان أن بعض الفرق المسرحية لجأت إلى عرض بديل للمسرح الحي، فشرعت تلك الفرق أو المجموعات بتقديم مسرح “أونلاين”، وكان لهذا الاتجاه أهداف كثيرة، في مقدمها رغبة الفرقة المسرحية المعنيَّة بتقيم هذا العرض بتحقيق عائد مالي يخفف من وطأة الخسائر التي تكبَّدتها عقب انتشار الفيروس، فهذه الفرق لديها مصروفات، وعندها التزامات مالية، وفي الوقت ذاته تريد أن تحافظ على جمهورها، فتستقطبه، خشية أن ينصرف عنها إلى مكان آخر منافس عقب زوال هذه الغمة”.

ظروف طارئة

وحول توافر عناصر المسرح في عروض الأونلاين، لفت عميد الفنون المسرحية الأسبق إلى أن المسرح في أساسه عرض حي، وتواصل بين الصالة والخشبة، وتفاعل بين الممثلين والجمهور، لكن ما تم تقديمه مجرَّد حل بديل، بسبب ظروف طارئة ساهمت في تقويض فكرة إغلاق المسرح، لكنه في الحقيقة لم يحل المشكلة بكاملها، وهو تصرُّف قد يكون فيه إنقاذ للوضع الحالي، وتحقيق نوع من التسلية للجمهور، لكن “لا نستطيع أن نطلق عليه مسرحاً، فالمسرح هو عبارة عن فعل جماعي؛ خشبة وصالة وتفاعل حي بين الصالة والخشبة، لكن وجود شيء أفضل من لا شيء، ونحن نقدِّر هذا الجهد، ونشكر الفرق المسرحية للتواصل مع جمهورها، إلا أن هذا لظرف طارئ، وإن شاء الله سنتجاوزه، ويعود المسرح إلى الحياة والتفاعل مع جمهوره، وتستمر العروض، وتعود الحياة الثقافية والفنية كما عهدناها”.

انعدام التفاعل الحي

بدوره، قال المخرج والكاتب بدر محارب، إن مسرح الأونلاين أحد إفرازات أزمة كورونا، ولا شك في أن ما يُقدم عبر منصات التواصل أو “يوتيوب” يحتوي على جميع عناصر العرض المسرحي، من ممثل ونص ومخرج وإضاءة وإكسسوارات ومؤثرات وسينوغرافيا، لكنه يفتقر إلى عنصر مهم جداً، هو الجمهور الحي. وأشار إلى أن غياب أحد العناصر سيخلُّ بمسألة تكامل العرض، لاسيما أن الجمهور يُعد أحد الأركان المهمة في المسرح، وفقده يعني انعدام التفاعل الحي بين العرض والمتلقي، فلا وجود للجمهور الحي، الذي يتفاعل أولاً بأول مع العمل، وينعكس ذلك التواصل على الممثل وهو فوق خشبة المسرح.

واستطرد محارب في الحديث عن تأثير غياب الجمهور الحي، مبيناً أنه ضمن هذه الظروف المفروضة على المسرحيين، فإن مسرح الأونلاين يقترب كثيراً من البرامج المنوعة التلفزيونية أو من السينما، لأنه يعتمد على تعبير الوجه، وعلى الصورة، والكاميرا، وعدسة الكاميرا، في حين يعتمد المسرح على التعبير الجسدي، ولغة الجسد والإلقاء، والمتلقي الموجود في مكان العرض ذاته بجدرانه وخشبته.

وعن الشكل الفني الأقرب إلى عروض الأونلاين، أوضح محارب: “تقترب العروض من أجواء السينما، لأنها تعتمد على الصورة الميكانيكية؛ عدسة الكاميرا، لذلك لا يمكن اعتباره مسرحاً تتوافر فيه معايير المسرح التقليدي، لكن في ظل هذه الظروف نتغاضى عن ذلك، تنفيذا للتعليمات الصحية الصادرة من المؤسسات الحكومية الهادفة إلى التباعد الجسدي بين الناس، لتقويض حدة انتشار المرض، وتقليل أعداد المصابين”.

وأضاف: “لا يمكن اعتبار المسرح أونلاين وريثا شرعيا للمسرح المتعارف عليه التقليدي، الذي يتكون من خشبة ومسرح وجمهور، لكن يمكن اعتباره صورة أو منصة مختلفة للدراما جاءت كنتيجة استثنائية مفروضة علينا، تماشياً مع الظرف الصحي الطارئ”.

وحول استمرار هذه العروض، قال: “لا أعتقد استمرارها طويلاً، كما أن وجودها ارتبط بانتشار الفيروس، وبزواله سيتوقف هذا الحل البديل، وسيعود المسرح الذي يعتمد على الجمهور المتفاعل مع ما يُعرض، ومع النص، والإخراج، والسينوغرافيا، والأداء والإلقاء التمثيلي على المسرح”.

وتابع: “العرض الذي يفتقر إلى هذه العوامل لا يُعد مسرحاً، فهو يعتمد على الكاميرا، ويعتبر جزءا من (الشو التلفزيوني)، لذلك لا يمكن اعتباره وريثا للمسرح المتعارف عليه الذي تعود جذوره قبل الميلاد، ولا يزال مستمرا، وقيل سابقا إنه بعد اختراع السينما ستسحب البساط عن المسرح، لكن المسرح استمر ثم ظهر التلفزيون، وقيل سيسحب البساط من المسرح أيضا، لكن المسرح استمر، وحاليا ظهر المسرح أونلاين، وجاء السؤال: هل سيتعبر هو الوريث الشرعي للمسرح؟ لكن المسرح سيستمر وسيبقى، لأنه يحتفظ بميزة مهمة جداً، وهي الجمهور الحي، الذي يتفاعل مع كل ما يشاهده، ويعطيك ردة الفعل في الوقت نفسه، وهذه هي أهم ميزة للمسرح، وهي التي تعطيه قيمته وجوهره التقليدي والمتعارف عليه، المسرح الذي يكون بجمهور هو المسرح الحقيقي، فيما عروض الأونلاين يمكن اعتبارها مسرحا تلفزيونيا، لأنها تتصف بالجمود أكثر من المسرح التقليدي”.

المسرح الافتراضي

وفي السياق ذاته، قال د. عبدالله العابر إن المسرح الافتراضي لا تتوافر فيه عناصر العرض جميعها، فالمسرح يعتمد المباشرة في ردود الفعل، لأن من شروطه أن يكون حياً، والقرب ما بين الممثل والجمهور، لكن هذا لا يتحقق في هذه العروض، وما يجري محاولات لإيجاد مسرح أو ما يسمى الآن المسرح الافتراضي، وهو موجود بالأساس المسرحي تحت مسمى المسرح الرقمي، لكن الآن سادت مفردة المسرح الافتراضي كمصطلح مطاطي، فاستخدم في هذه الفترة.

وأضاف العابر: “هي محاولات لإثباب الوجود، وأنا لستُ ضد هذه المحاولات ولا أعارضها، لأنها تثبت أن المسرح موجود، وربما تتطور هذه المحاولات، وتكون أكثر نضجاً وأهمية”، موضحاً أن العروض الحالية فاقدة لعناصر كثيرة، والعنصر المباشر الذي بينك وبين الجمهور، فأي شخص يريد الحضور إلى المسرح يبحث عن عناصر المسرح، كالتواصل المباشر وما بين المتفرج والممثل، لكن غياب هذا العنصر المهم يفقد جزءا كبيرا من عناصر المتعة البصرية والسمعية والحسية والتفاعل، فمشاهدة العرض عبر الشاشة تختلف تماماً عن مشاهدته في مكان العرض.

وعن مدى قبوله لهذا النوع من الفنون، أوضح العابر: “أنا لست ضد هذا الاتجاه، فالعاملون في المسرح الحالي يحاولون ويجتهدون، ويستحقون الثناء، لكن لكل تجربة سلبياتها وإيجابياتها، وبهذه المحاولات وغيرها يتطور المسرح، لأن التجريب أمر مهم جداً، وفي جميع الأصعدة، وضمنها التقنيات الرقمية، ولابد أن يكون المسرح له تواصل معاها، وتلك المحاولات بسلبياتها تؤكد الوجود المسرحي”.

وعن مقارنة ما يُعرض بالمسرح الحي أو التقليدي المتعارف عليه، قال: “لا أستطيع أن أعقد مقارنة بين المسرح الحي وعروض الأونلاين نهائيا، فلا قواسم مشتركة كبيرة بينهما، كما أن تقييم هذه التجربة يتأرجح بين القبول والرفض، وهناك مَن يرفضها جملة وتفصيلا، وهناك مَن يرى بقبولها مبدئيا، ولو أنها ناقصة، لكن عروض الأونلاين ليست وريثاً شرعياً المسرح الحي القائم على المباشرة والتفاعل”.

سعداء الدعاس: ما يُعرض يمكن تسميته «المسرح الوسائطي» أو «المسرح عبر وسيط»

تقول رئيسة قسم النقد والأدب المسرحي سعداء الدعاس، فتقول: “المسرح فن حي وحيوي، يتنفس بالجمهور، معتمداً على التلقي المباشر بالدرجة الأولى. ولا شك في أن العرض المسرحي الذي يُقدَّم عبر وسيط يفقد الكثير من روحه وكينونته، مهما كانت درجة احترافية هذا الوسيط وإمكاناته، لكن ذلك لا يعني أن نقله (أونلاين) يُلغي تلك الكينونة، طالما أن العرض تمَّت صناعته بذات الخصوصية المسرحية، على مستوى جميع عناصره”.

وأضافت: “فيما يتعلق بالجمهور، فالمعايير تختلف، كما هو المسرح التلفزيوني، حيث لم تفقد عروضه خاصيتها المسرحية، رغم إشكالياته الأخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العدد ليس مقياساً على الإطلاق، وكثيراً ما قرأنا وسمعنا عن عروض قُدمت لمتفرج واحد فقط”.

وتابعت: “من ناحية أخرى، المسرح كجميع الفنون والآداب، يتأثر بمستجدات العصر وتطوراته، بدءاً باكتشاف الكهرباء، وما تلاها من تكنولوجيا، شجعت المخرجين على الاستعانة بالميديا في العروض المسرحية، إلى حد التفاعل معها. وبفضل تلك الوسائط، اكتشفنا فضاءات مسرحية جديدة، بل إننا منذ سنوات سنحت لنا فرصة مشاهدة العديد من العروض المسرحية – من منازلنا- مباشرة أثناء عرضها في دول أخرى. لذا، أرى شخصيا أن ما يتم تقديمه (أونلاين) من عروض مسرحية، بإمكاننا تسميته بـ (المسرح الوسائطي) أو (المسرح عبر وسيط)”.

وعن مدى قبول هذه العروض، قالت الدعاس: “الاختلاف حوله أمر متوقع، كما قرأنا عن الرفض الذي قوبلت به العروض التجريبية التي قُدمت قبل عشرات السنين، والتي استخدمت الوسائط بعدة صور، بل أذكر قبل سنوات، التساؤل الذي طرحه العديد من المسرحيين حول عرض افتتاح مهرجان الهيئة العربية للمسرح، وما إذا كان ينتمي للمسرح أم لا؟ لذا لا أجد غرابة في أن يستمر الاختلاف إلى يومنا هذا في مدى تقبل مسرح يقدم عبر وسيط (أونلاين) أم لا”.

وفيما إذا كانت هذه العروض تتقاطع مع المسرح الحي (التقليدي)، أوضحت الدعاس: “بالطبع تنقصه الروح، فهو (مسرح وسائطي) نتابعه دون فرجة حقيقية، وفعل الحضور- بحد ذاته – ممتع في جميع مراحله؛ ما قبل العرض، حيث الانتظار خارج القاعة، إلى عملية الدخول المنظمة أو العشوائية، وأثناء العرض، حيث الفرجة المباشرة، المدثرة بهالة الممثل وسحر الصورة، وأخيراً ما بعد العرض، حيث الحوارات الجانبية، والندوات التطبيقية. كل ما سبق يصعب تعويضه، لكن الوسائط، باختلافها، تحاول أن تتعايش مع الأزمات، وأعتقد أنها فرصة عظيمة للمتلقي في جميع الأحوال لتجريب نوع مختلف لم يعتد عليه من قبل، والأيام المقبلة كفيلة بترسيخه أو رفضه”.

 

 

 

 

الجريدة

Exit mobile version