تراجع الاهتمام بالقراءة التقليدية، وظاهرة انصراف مستهلكي المعرفة عن الكتب لا تحتاج للإثبات، أو الاستناد على الدراسات والأرقام. كلنا، جميعًا، إلا الاستثناءات الكبيرة؛ ابتعدنا عن الكتاب، واقتربنا أكثر من “سناب شات” و”تيك توك”.. حتى “تويتر”، صار قديمًا ومملاً، نركض باستمرار، ونغير من عاداتنا دون أن نشعر بالتغييرات.
على المستوى الشخصي، أحب الكتب بكل ما تحمل من عمق معرفي، ومخزون لغوي، ورصانة في الطرح والتناول، وكأشياء للاقتناء، أطول وقت من الحنين، أما على المستوى المنطقي، فأظن أن أشكال استهلاك المعلومات وبناء المعرفة تتطور، وتتشكل بناء على تغير أدوات ورغبات المجتمعات.
المعلومة تولد في كتاب، أو من موقف عابر، أو في فيديو سريع بمنصة رقمية. لا أميل إلى الاتفاق مع الأفكار التي تقلل من أهمية طرق الاستهلاك الحديثة، إلا في نقطة تسطيح الأفكار والمعلومات أحيانًا، خاصة لو عرفنا أن كمية المعلومات وأحجامها تتضاعف كثيرًا بالأدوات الحديثة مقارنة بالماضي؛ المحتوى لا الأداة، الأثر لا الطريقة. مرونة التغيير طبيعة التمدد، تطور طرق الكتابة والقراءة من النحت على الصخور إلى إيموجي الهواتف الذكية؛ تثبت أن الإنسان لا ينفك يحدث من أشيائه وفقًا لاحتياجاته وسياق الزمن، لو كنا جامدين في عدم التخلي عن النحت كطريقة للاستهلاك المعرفي والتواصلي، لما وصلنا إلى فكرة الكتاب، ولا تجاوزناه إلى غيره من الطرائق الجديدة.
أيضًا، في المقابل.. لا أعتقد بفكرة الانتهاء الأبدي للكتاب، ولا لأي وسيلة للتواصل والنشر والمعرفة، الأمر يتعلق (فقط) بمحدودية الانتشار والإقبال، كل شيء، في القراءة وغيرها، له مريدون ومنافحون، لا يموت أي شيء بولادة غيره، ما تفعله الأشياء المستحدثة هو الفوز بالاهتمام الوفير، والأولوية. لا بدَّ من الابتعاد عن فكرة التشنج القائمة على أساس “موت الورق”، التطرف بدعمها أو ضدها، في الكتب والصحافة وغيرها، غالبًا ما ينطلق من مفهوم رغبوي، يميل لأي الضدين.
وسواء بقي الورق أو مات، اختار الناس الكتب أو الأجهزة الحديثة للقراءة، تثقفوا أو امتنعوا؛ كلها تبقى خيارات فردية، المهم ألا يتم تأطير الثقافة أو المعرفة، أو تفضل وسائل على أخريات، كل شخص له طريقته، دائمًا. والسلام..