(كونا) – بعد عقود من العطاء والنجاحات الاستثنائية تحتفل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بالذكرى ال64 لتأسيسها باعتبارها مركز ثقل في السوق العالمية وعامل توازن بين العرض والطلب مع حماية مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء.
وأتت مبادرة تأسيس (أوبك) بمنزلة رد فعل قوي ضد قرار تكتل من سبع شركات نفطية عالمية متعددة الجنسية تسمى «الأخوات السبع» بتخفيض سعر النفط الخام رغم أنه كان منخفضا جدا بالفعل آنذاك.
والسبب الذي دفع هذه الشركات إلى تخفيض سعر النفط العربي والفنزويلي الذي كانت تتحكم فيه يعود في نظرها إلى منافسة النفط السوفيتي الذي أغرقت موسكو به السوق نظرا لرخص أسعاره حيث كان سعر البرميل لا يتجاوز بضعة دولارات معدودة.
ورغم أن قرار التخفيض هذا قد أدى إلى زيارة أرباح «الأخوات السبع» إلا أنه أضر بالدول المنتجة صاحبة الثروة النفطية.
وقد اختارت (أوبك) في البداية أن يكون مقرها الدائم في (جنيف) السويسرية ولكن بعد خمس سنوات من الإقامة في هذه المدينة انتقلت المنظمة إلى العاصمة النمساوية (فيينا) وذلك اعتبارا من سبتمبر 1965 حيث توفرت لها شروط إقامة وامتيازات «أفضل كثيرا».
ومن أول القرارات التي اتخذتها منظمة (أوبك) الوليدة رفع سعر النفط بشكل جوهري يتناسب مع حاجة السوق وأساسياته من العرض والطلب.
وقالت الأمانة العامة للمنظمة في بيان وزعته بمناسبة الاحتفاء بذكرى التأسيس إنه «في مثل هذا اليوم أتمت (أوبك) عامها ال64 إذ حرصت طيلة هذه الفترة على دعم استقرار سوق النفط وحماية حق جميع البلدان في ممارسة السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية لصالح التنمية».
وأشار البيان إلى أنه في الفترة من 10 إلى 14 سبتمبر 1960 اجتمع ممثلو خمس دول منتجة للنفط هم أحمد سيد عمر من الكويت وعبدالله الطريقي من المملكة العربية السعودية والدكتور طلعت الشيباني من العراق والدكتور فؤاد روحاني من إيران والدكتور خوان بابلو بيريز ألفونسو من فنزويلا في (قاعة الشعب) في (بغداد) حيث أعلنوا تأسيس (أوبك) إيذانا ببداية فصل جديد في صناعة النفط العالمية.
وأضافت الأمانة العامة في بيانها أن هذه المهمة الحيوية للمنظمة وأهدافها دفعت بدول أخرى منتجة للنفط إلى الانضمام إلى (أوبك) بعد إعلان تأسيسها بوقت قصير.
وأشار البيان إلى أن (أوبك) التزمت خلال 64 عاما من وجودها بالتعاون والحوار بين جميع أصحاب المصلحة لتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية ومعالجة التحديات من خلال نهج شامل وواقعي وضمان استمرار النفط في دعم تنمية الدول وازدهار البشرية.
وبرزت هذه التوجهات بشكل واضح من خلال أحدث الجهود لا سيما التوقيع على إعلان ميثاق التعاون بين (أوبك) والدول غير الأعضاء فيها عام 2016.
وفي معرض تعليقه على هذه المناسبة قال الأمين العام للمنظمة هيثم الغيص «لا شك أن (أوبك) ظلت الرائدة في سوق النفط العالمية والتعاون الدولي حيث تواصل يوما بعد يوم التركيز على ضمان استقرار سوق النفط وتوازنها لصالح جميع المنتجين والمستهلكين فضلا عن الاقتصاد العالمي على الرغم من التحديات التي تواجهها صناعتنا».
وأضاف الغيص «بينما نحتفل اليوم بمسيرة (أوبك) الحافلة بالنجاحات غير المسبوقة فأنا على ثقة من أنه بدعم مستمر» من الدول الأعضاء وجميع أفراد أسرة (أوبك) فإن المنظمة «مستعدة لمواصلة الازدهار لسنوات وعقود قادمة».
من ناحية أخرى ووفقا للعديد من المراقبين والمتابعين لمسيرة المنظمة منذ تأسيسها فقد كان على هذه المؤسسة الوليدة أن تفرض نفسها في قطاع الصناعة النفطية وتتحدى أعتى الشركات الكبرى التي كانت آنذاك تتحكم في هذا القطاع إنتاجا وتصديرا وتسويقا.
واليوم وبعد مرور 64 عاما على إنشائها تقف (أوبك) بدولها الأعضاء شامخة سواء في أروقة الأمم المتحدة التي احتضنتها باستحقاق منذ 6 نوفمبر 1962 أو في سوق النفط العالمية حيث أصبحت القوة الرئيسة التي ترسم معالم هذه السوق وتحافظ على توازنها بهدف حماية مصالح المنتجين.
وتعيد مسيرة هذه المنظمة على امتداد 64 عاما إلى الذاكرة أهم المراحل التي قطعتها في حياتها بعد أن «صمدت أمام اختبار الزمن وجبروت (الأخوات السبع)».
ولا بد من التذكير هنا بمقولة وزير النفط الفنزويلي عند تأسيس المنظمة حين قال «لقد اتحدنا الآن وأصبحنا نصنع التاريخ».
فقد أصبحت المنظمة اليوم جزءا لا يتجزأ من مجتمع الطاقة العالمي الذي لا يستغني عن استشارتها في شؤون الصناعة النفطية ويضع سياساتها في هذا القطاع في طليعة اهتماماته.
وتعد المنظمة مركز ثقل في سوق النفط العالمية حيث شكلت عامل توازن بين العرض والطلب ودافعت عن حقوق الدول المنتجة في الحصول على أسعار عادلة كما أبدت على الدوام عزما وإصرارا على مواجهة التحديات وعلى التزامها القوي بتأمين سوق نفطية متوازنة ومستقرة لمصلحة المنتجين والمستهلكين على حد سواء.
وكان هذا واضحا في ما ورد في إعلان التعاون التاريخي لتحالف (أوبك +) الذي أبصر النور في عام 2016 بفضل جهود مضنية بذلتها المنظمة التي حققت بذلك نقلة نوعية بضم منتجين من خارجها للعمل جنبا إلى جنب في تحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية.
وتعتزم (أوبك) مواجهة التحديات مهما كان حجمها ومواصلة التزامها القوي بتأمين سوق نفطية متوازنة ومستقرة لمصلحة المنتجين والمستهلكين على حد سواء وقد مكنها نجاحها في عام 2016 في لم شمل المنتجين من داخل المنظمة وخارجها من خلال إعلان التعاون من التصدي للتحديات التي واجهتها السوق النفطية خلال السنوات الماضية بقيادة أمينها العام الحالي وابن الكويت البار المختص بالشؤون النفطية هيثم الغيص.
وبطبيعة الحال كانت هناك محطات مضيئة كثيرة خلال ال64 عاما كتلك التي حدثت في يناير 1976 حين اجتمع وزراء المالية في دول المنظمة في باريس وقرروا إنشاء صندوق أوبك للتنمية الدولية الذي قدم مساعدات لأكثر من 100 دولة منذ ذلك التاريخ.
وقد أدت (أوبك) على امتداد تاريخها أدوارا متقدمة في مناصرة القضايا الإنسانية العادلة من خلال دعم التنمية المستدامة والقضاء على الفقر وحماية البيئة وتأمين الطاقة للجميع.