أنجز معهد الكويت للأبحاث العلمية مؤخراً وبالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي والوكالة الدولية للطاقة الذرية مشروع دراسة لمعرفة تأثير ظاهرة تحمض المحيطات وارتفاع درجة حرارة سطح المحيط على نمو ووفرة الروبيان المحلى من نوع أم نعيره.
وقالت رئيسة المشروع الباحثة لمياء المسلم في مركز أبحاث البيئة والعلوم الحياتية بالمعهد، أن هناك العديد من الحيوانات التي تحتوي في هيكلها العظمي أو صدفتها على كربونات الكالسيوم، والتغيرات في درجة حموضة المياه يمكن أن تؤثر سلبا على هذه الكائنات خاصة في المراحل الأولى من حياتها، وهناك دراسات أثبتت بالفعل بأن عددا كبيرا من الحيوانات قد تعرضت إلى هذا التأثير السلبي القاتل، موضحة أن بعض الكائنات الحية تستفيد من زيادة حموضة المحيطات مثل أعشاب البحر وبعض أنواع العوالق النباتية، ولكن هذا لا يعني أن ذلك شيء إيجابي لأن زيادة نمو هذه الكائنات يمكن أن تتسبب في خلل بالسلسة الغذائية والتنوع الحيوي والنظام البيئي بآلياته وبنائه.
وأضافت المسلم أن وجود كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو يؤدي إلى حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع حرارة سطح المحيطات بنسبة تتراوح بين درجة وثلاث درجات مئوية، وارتفاع منسوب المياه إلى مقدار يتراوح بين 0.18 و0.79 متر، والذي يؤدي بدوره إلى تحمض وارتفاع حرارة سطح المحيطات، وبالتالي إلى تغيير كيمياء المياه في المحيط وتهديد النظم البيئية البحرية، حيث ذكرت العديد من الدراسات التأثير السلبي لتحمض وارتفاع حرارة سطح المحيطات على مصايد الأسماك والروبيان.
وأوضحت المسلم أن الدراسة صممت لتحديد التأثير التفاعلي لتغيرات درجات الحرارة ودرجة الحموضة على نسبة الوفرة وتحول الغذاء في الروبيان المحلي من نوع أم نعيره خلال مراحل النمو المختلفة ابتداء من اليرقات وانتهاء بالروبيان البالغ، مشيرة إلى أنه قد تم اختيار الروبيان من نوع أم نعيره لإجراء هذه الدراسة نظرا للأهمية الاقتصادية لهذا النوع من الروبيان، بالإضافة إلى أهمية اختيار كائن بحري ينتمي إلى البيئة المحلية بحيث تتم معرفة تأثير التغيرات المناخية المحلية المحتملة على هذا الكائن ومدى قدرته على التكيف والبقاء على قيد الحياة مع هذه التغيرات.
وبينت أنه قد تم جمع أمهات الروبيان من المياه الإقليمية الكويتية خلال موسم التكاثر؛ وذلك للحصول على البيوض ويرقات الروبيان بأعداد كافية لإجراء التجارب على كافة المراحل العمرية للروبيان، إذ أجريت تجارب الدراسة في مختبرات المعهد في نظام محكم محاكي للتغيرات المناخية المتوقعة في المستقبل، فقد تمت تربية الروبيان خلال مراحل حياته المختلفة في أحواض زجاجية مع التحكم بدرجة حرارة الماء وقيمة الأس الهيدروجيني.
وأكدت نتائج الدراسة أن ارتفاع حرارة سطح المحيطات يمكن أن يكون له تأثير أكبر من تحمض المحيطات على مراحل الحياة المبكرة ليرقات الروبيان، إذ أظهرت يرقات الروبيان المعرضة لدرجات حرارة مرتفعة معدلات نمو متسارعة لتصل إلى أحجام الروبيان الأكبر سنا، لكن مع انخفاض معدلات البقاء على قيد الحياة، ومن المرجح جدا أن انخفاض معدلي البقاء على قيد الحياة والنمو في ظل سيناريوهات المناخ في المستقبل قد يؤدي إلى ظهور يرقات روبيان أصغر حجما، هذه اليرقات سوف تمر بعدة عمليات انسلاخ على مدى دورة حياتها مما يجعلها معرضة للخطر، علاوة على ذلك، تشير نتائج الدراسة إلى تأثيرات إضافية للتعرض المشترك لارتفاع درجة حرارة سطح المحيطات وتحمضها على نجاح فقس البيض، والبقاء على قيد الحياة، وتطور يرقات الروبيان.
وقالت المسلم: إن الدراسة المنجزة متسقة تمامًا على طول دورة حياة الروبيان من نوع أم نعيره بأكملها، حيث يشير معدل الوفيات المرتفع لليرقات عند درجة الحموضة المنخفضة ودرجة حرارة مياه مرتفعة إلى انهيار محتمل في هذا النوع من القشريات تحت ظروف زيادة تحمض المحيطات، وارتفاع درجة حرارة سطح المحيطات في المستقبل، وهذا يؤدي أيضًا تأثير بالغ يتمثل في انخفاض مخزون الروبيان في الخليج العربي بسبب الصيد الجائر أو نتيجة لانخفاض نمو اليرقات بسبب التغيرات المناخية.
وتابعت: بدت يرقات الروبيان في الدراسة الحالية مختلفة عن الروبيان الأكبر سنا الذي بدا أكثر قوة وتحملا عند التعرض لزيادة تحمض وارتفاع حرارة سطح المحيطات، ويمكن أن يكون القدرة على تحمل هذه الظروف الاستثنائية من قبل الروبيان الأكبر سنا نوعا من التكيف بين الأنواع التي تعيش في مياه الخليج العربي الدافئة لعدة أجيال.
وشددت المسلم عل أنه ينبغي إجراء المزيد من الدراسات لمعرفة تأثير التغيرات المناخية على المخزون الطبيعي للروبيان والأسماك نظرًا لأن هذه العوامل المناخية لم تُعط الأهمية الكافية أثناء تقييم وتفسير انخفاض مخزون الروبيان والأسماك، والذي يرتبط في الغالب بالصيد الجائر.
وعلى صعيد متصل، يستخدم الباحثون في معهد الكويت للأبحاث العلمية العلوم النووية للتصدي للتحديات التي تواجه البيئة البحرية، بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لمواجهة تغيُّر المناخ والنشاط الصناعي المتزايد.
من جانبه قال د. سيف الدين إقبال الدين من مركز أبحاث البيئة والعلوم الحياتية، إن الخبراء يجرون قياسات منتظمة لمستويات درجة الحرارة ودرجة حموضة الماء، وينظرون في الكيفية المحتملة لاستجابة الحياة البحرية لهذه التغيرات في العقود القادمة.
وأوضح أن التأثيرات المحتملة لتحمّض المحيطات وارتفاع حرارتها تشمل التدهور أو الفقدان التام للحاضنات المهمة للكائنات البحرية مثل القاعيات العشبية البحرية والشعاب المرجانية، وتستخدم التقنيات النووية والنظيرية لفهم الظروف السابقة لارتفاع درجة حرارة المحيطات وتحمضها، والتنبؤ باستجابات الكائنات البحرية في المستقبل، مثل بلح البحر والمحار والشعاب المرجانية، في ظل الظروف المتغيرة.
وأكد د. إقبال الدين أن مياه الخليج العربي توفر مختبراً طبيعياً وبيئة مثالية لدراسة الطريقة التي قد تتكيف بها الحياة البحرية مع تغير المحيطات، مبينا أنه على الرغم من التقلبات الكبيرة في درجات الحرارة في مياه الخليج العربي من ٨ درجات مئوية إلى ٣٦ درجة مئوية، فإن الشعاب المرجانية تكيفت مع هذا التفاوت الكبير في درجات الحرارة ولا تزال على قيد الحياة، لكنها صارت أكثر هشاشة بسبب تحمض المحيطات، منوها بأن الدراسات الجارية تركز في إطار مشروع تابع للوكالة على تأثير تحمض المحيطات على تكلس الأنواع المرجانية الرئيسية.
وتحدث التغيرات المناخية نتيجة لعمليات الحرق المختلفة للنفط والغاز وإزالة الغابات، وإنتاج الإسمنت؛ ونتيجة لهذه الأنشطة أضيفت كمية غير مسبوقة من غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) إلى الغلاف الجوي والتي تتجاوز حاليًا 400 جزء في المليون حيث يمتص المحيط حوالي 25% من غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية المختلفة والذي يتم ضخه في الغلاف الجوي مما يؤدي إلى انخفاض الأس الهيدروجيني لمياه البحر ونشوء ظاهرة تحمض المحيطات، ونظرا إلى أن الحموضة قد زادت بنسبة 30% منذ ظهور الثورة الصناعية، فإن استمرار الزيادة في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون يعني أن نسبة الحموضة سوف تصبح هائلة في العقود القادمة، ونسبة التغير الموجودة حاليا تبلغ أضعاف مضاعفة من أي نسبة مسجلة في التاريخ وفق ما توصل إليه العلماء.