البلاستيك الدقيق.. تهديد غير مرئي للأمن الغذائي العالمي

يواجه الأمن الغذائي العالمي تهديدات غير مرئية، إلى جانب التهديدات المباشرة الناجمة عن التغير المناخي مثل ارتفاع درجات الحرارة وحرائق الغابات والفيضانات والجفاف والأعاصير.

وتظهر الدراسات العلمية المتخصصة أن المواد البلاستيكية الدقيقة تمثل تهديدا إضافيا غير مرئي للأمن الغذائي العالمي، كونها تشكل خطورة بالغة على النباتات التي تعد واحدة من أكثر ممالك الطبيعة أهمية وانتشارا على وجه الأرض، من خلال الإضرار بصحة التربة، وخفض الإنتاجية الزراعية.

وفي هذا السياق، ذكرت دراسة حديثة نشرتها مجلة “وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم” في الولايات المتحدة، أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تؤثر سلبا على قدرة النباتات على التمثيل الضوئي، ما يلحق الضرر بالمحاصيل الحيوية مثل الذرة والأرز والقمح. ويقدر معدو الدراسة من الخبراء أن ما بين 4 و 14 بالمئة من هذه المحاصيل الأساسية تفقد بسبب التلوث الشامل، وأنه مع استمرار زيادة تلوث الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، قد يتعرض 400 مليون شخص إضافي لخطر المجاعة بحلول عام 2040، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة الجوع التي أثرت على 700 مليون شخص عام 2022.

ويواجه العالم بالفعل تحدياً لإنتاج ما يكفي من الغذاء بشكل مستدام، حيث من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم إلى 10 مليارات بحلول عام 2058 تقريباً.

وبالإضافة إلى الضرر المتوقع بالنسبة للمحاصيل الزراعية، فقد ينخفض إنتاج المأكولات البحرية بنسبة تصل إلى 7 بالمئة مع فقدان النظم الإيكولوجية المائية للطحالب التي تشكل قاعدة شبكاتها الغذائية. ووفقا لمعدي الدراسة، فإن هذا من شأنه أن يؤثر بشكل خطير على الاقتصاد العالمي ويؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي لمئات الملايين من الناس.

كما أن انخفاض عملية التمثيل الضوئي للنباتات، قد يعوق أيضا الجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ، فمع قيام النباتات بعملية التمثيل الضوئي، فإنها تسحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء إلى أنسجتها وتخزنه في شكل سكريات. وتفترض البحوث العلمية أن تظل النباتات قادرة على امتصاص الكربون الجوي بمعدل ثابت على مدى العقود القليلة القادمة. ولكن إذا تم احتجاز كميات أقل من الكربون في الغابات والمراعي وأحواض الأعشاب البحرية مقارنة بما توقعه الباحثون، فإن هذا من شأنه أن يجعل التخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري أكثر صعوبة.

ويمكن للمواد البلاستيكية أن تزيد الإنتاجية والكفاءة في الزراعة وتساعد في الحد من فقدان الغذاء وهدره، إلا أنها مع ذلك، مصدر رئيسي للتلوث.

وعلى مدى السنوات السبعين الماضية، أصبح استخدام المواد البلاستيكية في أنظمة الأغذية الزراعية واسع الانتشار بشكل متزايد، من أدوات الري وحماية الأشجار إلى البيوت البلاستيكية، وباتت المواد البلاستيكية الدقيقة تملأ حاليا هواءنا وتربتنا والطعام الذي نتناوله والماء الذي نشربه، كما يتم اكتشافها في كل مكان، حيث تسللت إلى كوكب الأرض بأكمله، من قمة جبل إيفرست إلى أعماق المحيطات.

وتستخدم الزراعة على مستوى العالم، سنويا حوالي 12.5 مليون طن من المواد البلاستيكية، والتي يدخل الكثير منها إلى التربة، ويتحلل فيها، ويمكن أن تظل الجسيمات البلاستيكية الدقيقة موجودة في التربة لسنوات، الأمر الذي يؤثر على بنيتها وخصوبتها، ويأتي أكثر من 95 بالمئة من الغذاء من التربة، فضلاً عن ذلك، فهي تزودنا بالكثير من العناصر الكيميائية الطبيعية الضرورية للنباتات.

وفي المحيطات، حيث يمكن للجسيمات البلاستيكية الدقيقة أن تغطي الطحالب، يقدر فقدان الأسماك والمأكولات البحرية بما يتراوح بين مليون و24 مليون طن سنويا، أي نحو 7 بالمئة من إجمالي الإنتاج، وكمية كافية من البروتين لإطعام عشرات الملايين من الناس.

وعلى الرغم من أن نتائج الدراسة مثيرة للقلق، إلا أن الخبراء يؤكدون على الحاجة إلى مزيد من الدراسات لتأكيد البيانات وتنقيحها، ويقول العلماء إن الدراسة الجديدة تسلط الضوء على الحاجة إلى معاهدة عالمية بشأن قضايا البلاستيك. وكانت دول العالم قد فشلت في التوصل إلى اتفاق بشأن معاهدة للأمم المتحدة للحد من التلوث البلاستيكي في ديسمبر الماضي، لكنها ستستأنف المحادثات في أغسطس المقبل.

وفي يناير الماضي وقع أكثر من 150 من الحائزين على جائزة نوبل وجائزة الغذاء العالمية، رسالة مفتوحة تدعو إلى بذل جهود “متسارعة” لزيادة إنتاج الغذاء قبل وقوع كارثة الجوع الوشيكة في العالم، ودعا تحالف عدد من أعظم المفكرين الأحياء في العالم إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإعطاء الأولوية للبحث والتكنولوجيا لحل التناقض المأساوي بين العرض والطلب العالمي على الغذاء، واستشهد الموقعون بتحديات تشمل أزمة المناخ والحروب وضغوط السوق، ودعوا إلى بذل جهود “صديقة للكوكب” تؤدي إلى قفزات كبيرة في إنتاج الغذاء لإطعام نحو عشرة مليارات إنسان بحلول منتصف القرن الحالي.

ورأى هؤلاء العلماء في رسالتهم أن العالم ليس قريبًا حتى من تلبية الاحتياجات المستقبلية، وتوقعوا أن تواجه البشرية عالماً أكثر انعداماً للأمن الغذائي وعدم الاستقرار، بحلول منتصف القرن ما لم يتم تكثيف الدعم للابتكار على المستوى الدولي.

Exit mobile version