رغم الجهود الجبارة التي قامت بها ولا تزال الجهات المعنية بإعادة تأهيل البيئة الكويتية مما أصابها من تدمير جراء الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت في عام 1990 فإنها مازالت تعاني ولم تستكمل تعافيها بعد مرور 31 عاما وامتد تأثيرها السلبي ليشمل مختلف مناحي الحياة.
ولم يقتصر العدوان العراقي الغاشم على الكويت عسكريا فحسب بل اتبع سياسة الأرض المحروقة التي امتد تأثيرها التدميري على البيئة الكويتية البرية والبحرية والهوائية بعد أن لجأ إلى تفجير وإحراق الآبار النفطية وضخ النفط في البحر فأدي الى تدمير الغطاء النباتي وتفكك التربة وتشقق الطبقات الجيولوجية الصلبة القريبة من السطح وتلوث المياه الجوفية.
وفي هذا الشأن، قال وزير النفط ووزير التعليم العالي الدكتور محمد الفارس لوكالة الأنباء الكويتية، اليوم الاثنين، إن الكارثة البيئية التي خلفها الغزو العراقي لدولة الكويت تعتبر واحدة من أسوأ الكوارث البيئية التي شهدها العالم إذ تم إشعال وتدمير أكثر من 700 بئر نفطي منتشرة في البلاد مما تسبب في تلوث التربة الكويتية.
وأوضح الوزير الفارس أنه نتيجة لهذه الكارثة تكونت أكثر من 300 بحيرة نفطية يقدر حجمها ب 5ر22 مليون برميل من النفط ليتم إثر ذلك البدء في تنفيذ برنامج الكويت لإعادة تأهيل البيئة في مناطق العمليات النفطية الذي يعتبر من أكبر المشاريع البيئية لمعالجة التربة الملوثة بالنفط على مستوى العالم.
وأضاف “اننا نسعى جاهدين من الانتهاء من العمل في تنفيذ مشاريع إعادة تأهيل المناطق المتضررة نتيجة البحيرات النفطية وأكوام الأتربة الملوثة بالنفط والتسريبات النفطية من المشاريع في نهاية 2024 وفق الالتزامات التي وضعتها الأمم المتحدة”.
وذكر أنه تم الانتهاء من تنفيذ مردمين صمما بأحدث الوسائل الهندسية والمعايير العالمية لمنع تسرب أي ملوثات الى التربة أحدهما في شمال الكويت ويتسع لمليون و700 ألف متر مكعب والآخر في جنوب حقل برقان حيث يتسع لـ580 الف متر مكعب.ولفت إلى أنه تم الانتهاء من مشروعين آخرين للحفر ونقل التربة عالية التلوث من الشمال والجنوب إلى المرادم الهندسية التي تم تنفيذها والانتهاء من هذه المشاريع عام 2017 ومن خلالها تم التعامل مع مليونين و28 ألف متر مكعب من التربة الملوثة من الإجمالي العام البالغ 26 مليون متر مكعب من التربة التي تحتاج إلى إعادة تأهيل.
وأوضح الوزير الفارس أنه من خلال هذين المشروعين تمت إزالة التلوث من المناطق الساحلية بالإضافة إلى تنظيف وردم وتسوية الحفر التي تم إنشاؤها لمكافحة حرائق الآبار المشتعلة والنفط المحروق على سطح الأرض لافتا الى أن تأهيل هذه المناطق تم بعد إزالة المواد غير المتفجرة فيها.
وذكر أن شركة نفط الكويت المناطة بالقيام بأعمال إعادة تأهيل التربة وقعت خمسة عقود كبيرة لمعالجة التربة الملوثة التي لها علاقة ببرنامج الكويت لإعادة تأهيل البيئة وستعمل مشاريع المعالجة الخمسة على إصلاح وتأهيل نحو 13 مليون متر مكعب في شمال وجنوب الكويت.وبين أن هذه المشاريع ستجني فوائد بيئية واستعادة النظام البيئي للأراضي وتوفيرها لخطط التطوير المستقبلية موضحا أن شركة نفط الكويت بذلت أقصى جهودها بالتعاون مع نقطة الارتباط الكويتية لتحقيق هذا الإنجاز المهم من خلال تخصيص أكثر من 50 في المئة من الأموال الممنوحة من الأمم المتحدة لهذه المشاريع.
وأعلن أن صيف 2022 سيشهد طرح مشاريع مكملة لخطة معالجة التربة المتعلقة بباقي المطالبات البيئية حيث سيتسنى لنا معالجة المزيد من التربة الملوثة.ولفت الفارس إلى أن القطاع النفطي يولي اهتماما كبيرا بالجانب البيئي لعملياته المختلفة ومحاولاته الحثيثة لتقليل التأثير على البيئة إذ نفذت شركة نفط الكويت مشاريع كبيرة مختصة في خفض نسبة حرق الغازات في مناطق الشركة.وأشار إلى أن الشركة أدارت المخلفات الصناعية بما يتوافق مع اشتراطات الهيئة العامة للبيئة وكذلك تم إنشاء محميات طبيعية في مناطق الشركة والمناطق البحرية للمحافظة على الحياة النباتية والحيوانية.
وأكد ان الاهتمام بالصحة والسلامة والأمن والبيئة يعتبر من أهم الأولويات الواردة ضمن التوجهات الاستراتيجية العامة لمؤسسة البترول الكويتية حتى 2040 إذ تهدف المؤسسة من خلال خططها المختلفة إلى تحقيق أداء عال في الصحة والسلامة والأمن والبيئة بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية.
وبين أنها وضعت هذا الهدف نصب عينيها ورسمت بذلك معايير ولوائح صارمة للصحة والسلامة والأمن والبيئة فضلا عن حرص القطاع النفطي في تعزيز ثقافة حماية الصحة والسلامة والمحافظة على مختلف الموارد المنتجة من خلال رفع الكفاءة وتقليل الانبعاثات الي الحد الأدنى.
وأكد “التزام القطاع النفطي بتكريس الموارد المتاحة سواء استثمارات مالية أو طاقات بشرية من أجل تحقيق الريادة على مستوى الشركات النفطية الإقليمية والعالمية في مجال صحة الإنسان وسلامته والمحافظة على بيئة نظيفة وهي مسؤولية نحرص عليها”.
الخنادق البترولية
من جانبه، قال القائم بأعمال المدير العام لمعهد الكويت للأبحاث العلمية الدكتور مانع السديراوي، إن المعهد استحدث برنامج التلوث البيئي والمناخي عقب التحرير لتقييم التحديات المتعلقة بالبيئة الجوية والمائية والأرضية من حيث التغير المناخي والتلوث النفطي وغير النفطي ويعمل البرنامج على تحسين إدارة النفايات في الكويت عن طريق إجراء أبحاث لفهم الملوثات المستجدة وتقييم مدى فعالية الجهود المبذولة حاليا للحد من التلوث.وأوضح السديراوي أنه تم عمل الكثير من الدراسات منها دراسة عن نظام منع زحف وتكدس الرمال على المنشآت والطرق السريعة وهو نظام متكامل معروض حاليا على وزارة الأشغال العامة مؤكدا أن المعهد يضع استراتيجيات خمسية تتوافق مع برنامج عمل الحكومة وتحديات المحور الرابع في البرنامج الخاص بالبنى التحتية.وبين أنه بعد التحرير مباشرة قام المعهد بأول مشروع حول تقييم الأضرار البيئية الناتجة عن الغزو العراقي وهو برنامج (الرصد والتقويم البيئي) وتم تحديد المناطق المتأثرة سواء البحيرات النفطية نتيجة حرق الآبار والخطوط الدفاعية العراقية (الخنادق البترولية) والمخلفات الحربية في الصحراء حيث تم عمل مسح شامل وتقييم للاضرار وهذا المشروع افاد الكويت في مطالباتها البيئية والحصول على التعويضات لاعادة التأهيل.وأشار إلى أن أغلب مشاريع المعهد حاليا مع الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية تشتمل على عدة نشاطات منها عمل أحزمة خضراء في بعض المناطق وعمل محميات في الصحراء لاعادة التأهيل التدريجي للبيئة الصحراوية التى تم تدميرها.
وقال أنه إبان الغزو تم استخدام أسلحة غير تقليدية في العمليات الأمر الذي كان له تأثير سلبي على الصحة العامة علاوة على اندثار القطاع النباتي فضلا عن تدهور السواحل الكويتية وتدمير البيئة البحرية مما أثر سلبا على الثروة السمكية والأحياء والكائنات البحرية لافتا إلى أن لدى المعهد عدد من المحطات لرصد (النويدات المشعة) في الهواء على مدار الساعة.وأكد ضرورة الوعي المجتمعي بأهمية البيئة الصحراوية وضرورة التعاون للمحافظة على البيئة الصحراوية لافتا إلى أن كافة الجهات المعنية بإعادة تأهيل البيئة وعمل المحميات لابد أن يرافقها وعي بأهميتها خاصة ان كثرة الحركة فيها يضر بها ويؤدي الى تدهورها.
مصائد الأسماك.. تعاني
بدوره، قال الخبير البيئي والمدير العام للهيئة العامة للبيئة الأسبق الدكتور محمد الصرعاوي، “إن التصدعات التي حدثت نتيجة للغزو العراقي مازالت موجودة وستظل آثارها على المديين القصير والبعيد إضافة إلى أن حرق آبار النفط وتلوث التربة بالزيوت والبرك النفطية مازالت تغطي مساحات كبيرة وتقدر بأكثر من 20 مليون متر مكعب وتصل أعماقها الى نحو خمسة أمتار في بعض المناطق”.
وأشار الصرعاوي إلى “أن هناك أيضا انكشافا لبعض الألغام التي لم تنفجر نتيجة حركة الرياح في الصحراء وتشكل خطرا على الإنسان كذلك زيادة تفكك التربة بسبب حركة الآليات العسكرية ما أدى الى تصاعد كميات عالية من الغبار الناعم ويصل إلى المدن القريبة من الصحراء المعرضة لحركة الرياح”.
ولفت إلى أن مصائد الاسماك مازالت تعاني من التدهور لوجود كمية عالية من الاطيان الفيضية نتيجة تفكك التربة في المناطق الجنوبية من الاهوار العراقية ومناطق شط العرب والتي تنتقل إلى المناطق الشمالية بدولة الكويت وتؤدي الى خلخلة في الاتزان الايكولوجي (البيئي) للمنطقة الشمالية والثروة السمكية وتحديات مناطق وربة وبوبيان التي تكثر فيها الترسبات الطينية.
إعادة التأهيل
في السياق ذاته، تواصل وزارة الكهرباء والماء التعاون مع الجهات المعنية بإعادة تأهيل البيئة (نقطة الارتباط الوطنية الكويتية) بناء على مذكرة التفاهم التي وقعت عام 2010 بهدف تنفيذ مشاريع إعادة تأهيل البيئة المتضررة فضلا عن توقيع مذكرة تفاهم معدلة بناء على المتطلبات الحالية والمستقبلية لتنفيذ المشاريع المتعلقة بإعادة تاهيل البيئة.كما تقوم الوزارة بمتابعة مشروع إعادة تأهيل المياه الجوفية للكويت عبر تشكيل مجموعة فنية مشتركة للتخطيط والاشراف على تنفيذ المشروع من خلال التنسيق والتشاور مع الجهات المعنية في الدولة ومراجعة وتقييم جميع المعلومات البيئية والايكولوجية والتكنولوجية المتوافرة والمتعلقة بالمشروع والحرص على تنفيذ خطة الرصد البيئي طويلة الأمد والعمل على تنفيذها.يذكر انه في العام 1996 قامت (الهيئة العامة لتقدير التعويضات) بانجاز المرحلة الثانية من مشروع اعداد المطالبات البيئية المؤثرة سلبا على كافة أوجه الحياة في الكويت اذ شكلت فريقا من المستشارين المحليين والعالميين لتقدير الاضرار البيئية التي تكبدتها دولة الكويت جراء الغزو العراقي الغاشم.
وحددت الهيئة الأضرار الناجمة عن التلوث البيئي إلى خمس فئات تشمل الأضرار التي لحقت بالصحة العامة والتي لحقت بمصادر المياه والتي لحقت بالمصادر الصحراوية والبيئة المشيدة والأضرار التي لحقت بالمصادر البحرية والساحلية والتي نجمت عن تكون البحيرات النفطية.