اختارت إمارة الشارقة صحراء الكهيف لإقامة مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، وسط أجواء بسيطة، مثيرة، وغير اعتيادية.
تشهد فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان المسرح الصحراوي، الذي تنظمه إدارة المسرح برئاسة أحمد أبو رحيمة، مشاركة ست دول هي الكويت، موريتانيا، السودان، العراق، الأردن والإمارات.
خصوصية المكان فرضت احتفاء مميزا بالحدث المسرحي الذي يحمل فلسفة خاصة تؤكدها مقولة حاكم الشارقة الشيخ د.سلطان القاسمي: “أخاف على أبنائي في الصحراء أن يذوبوا، لذلك هم يعرفون أنني أحيطهم بكل عناية، لأننا لا نريد أن نشوه الصحراء الجميلة، ولا نريد أن نغربهم، ولا نريد أن نبعدهم، نريد أن نحافظ على عاداتهم وتقاليدهم وموروثهم، ونأمل من الجميع أن يتذكر أن هذه الإمارات أصلها قبائل هي التي وقفت وقاومت وحافظت على هذه الأرض، ولا نريد أن نلغي القبائل، بل بالعكس، نمكنهم ونرفع من شأنهم، وهم الخير والبركة في هذه الأرض”.
من هنا خصص المهرجان 53 خيمة فندقية تهافتت على الإقامة فيها أسر كثيرة لمعايشة الأجواء المسرحية الطقسية.. فكانت فرصة يلهو فيها الصغار فوق الرمال ويرتبطون أكثر بجذورهم بعيدا عن التكنولوجيا الحديثة ويتسامر فيها الشباب والنساء ويستمتعون بركوب الخيل والبعارين.. والتنافس أيضا في مسابقة يومية للطهي.. مع الاستمتاع بأجواء الشواء على الحطب.. وتذوق الطعام الخاص بكل بلد تقيم ليلة تقديم عرضها المسرحي.. ومشاهدة الرقصات الشعبية الخاصة بتلك البلدان والتعرف على تراثها.
أجواء خاصة تهيئ المتلقي لمتابعة العروض المسرحية في فضاء رحب أكثر إثارة للخيال الإبداعي.. فكانت فرصة لمخرجي العروض الستة للتجريب في الفضاء الرحب لتناول موضوعاتهم التراثية، فجاء الافتتاح إماراتيا شكلا وموضوعا من خلال عرض “مطايا البيان” تأليف فيصل جواد وإخراج محمد العامري، تناول قصة رمزية عن شرف الكلمة وضرورة نقلها دون تحريف في التأويل، فالأب الذي كلف أبناءه الثلاثة بنقل رسالة ما.. تسبب اختلاف تأويلها وتحريفها في صراع بين القبائل.
فقدم المخرج صورة بصرية تليق بأهمية المضمون مستغلا إسقاط الإضاءة الحمراء والزرقاء والبؤر اللونية الصفراء المتداخلة فوق تلال الصحراء وإن كانت الحركة المسرحية المرسومة منمقة أكثر من اللازم، خصوصا في المشهد الافتتاحي الذي ارتمى فيه ضحايا الحرب أرضا في خطوط مستقيمة ودائرية، بينما الأمر يستدعي بعض الفوضى لتعكس عنف الحرب ومرارتها.
بينما جاء العرض السوداني “ألمك نمر.. حب في الصحراء” تأليف ابراهيم العبادي وإخراج عادل حربي ليقدم صورة شاعرية غنائية معدة عن نص “ألمك نمر” من كلاسيكيات المسرح السوداني التي افتُتح بها أول موسم مسرحي هناك عام 1969.. رصد العرض صراع الحب بين طه وريا من جهة وزعيم إحدى القبائل الشهيرة.. واحتمائهما بالملك نمر.. وتميز العرض بهارمونية الأداء الغنائي الراقص مع الأزياء المبهجة الألوان لتبدو وكأنها لوحات تشكيلية محفوفة بالدراما.. ومن الأردن قدمت فرقة مادبا عرض “زين المها.. مهاجي الرمال”، تأليف وإخراج د.علي الشوابكة، دراما بدوية لافتة معتمدا فيها على قدرات ممثليه، معتز أبوالغنم في الفروسية والأداء الجماعي المحترف للفريق في تجسيد قصة الإيقاع بين شقيقين عن طريق زوجة أحدهما، وفق صحيفة “الأهرام”.
عن انتشار مرض الطاعون العام 1830 رصد العرض الكويتي “الأصاخيب” من خلال شخصية الراوي قصصا متنوعة من عادات تجمعها فكرة انه لا فكاك من القدر، فبين هذه الماساة الإنسانية نرى النظرة الدونية للمجتمع الذكوري تجاه المرأة.. وقدم فيها المخرج لوحات تعبيرية راقصة تجسد المعاناة النفسية لأبطاله.. وجاء العرض العراقي “سبيل الأصالة” مخيبا للآمال رغم قصته القائمة على سمات الشجاعة والفروسية في إنقاذ شاب لأبيه المختطف.. فجاء مفككا بلا رؤية إخراجية واضحة.. وكذلك كان العرض الموريتاني “ليالي لعزيب” لم يستطع الجمهور التواصل معه بسبب ضعف الرؤية وصعوبة اللغة.
المهرجان يوفر فرصة التجريب المسرحي في الصحراء ورغم هذا لم يستطع مخرجو هذه الدورة عموما، التمرد على رؤى المسرح التقليدي فما زالوا يدورون في فلك الحركة المسرحية المحددة بجدران العلبة الإيطالية المعتادة باستثناء العرض الأردني إلى حد كبير.. وافتقدوا القدرة على امتلاك الإيقاع المسرحى بتجسيد مشاهد القتال المتلاحقة والرقصات التراثية المبهرة، وبدا واضحا قلة البروفات عند تسليم وتسلم الحوارات بين الممثلين وعدم اتساق الأداء والمبارزات مع الصوت المسجل play back.. وهي تقنية تحتاج إلى إعادة نظر لما تسببه من ضعف التواصل بين الجمهور والممثل.