شاركت أيادي فنانين تشكيليين كويتيين في توثيق حقبة مهمة من تاريخ البلاد تروي فترة الغزو العراقي الغاشم عام 1990 ثم فرحة التحرير عبر لوحات فنية وجداريات ترجمت حجم المعاناة والألم راصدين تفاصيل تلك الفترة المهمة عن كثب.
فمنذ اللحظات الأولى للغزو الغاشم وثق التشكيليون الكويتيون هذه المحنة برسم لوحات عن مرارة التجربة وقساوتها رغم شح الأدوات وقلة مصادرها علاوة على مشاعر الاضطراب النفسي الناجم عن انتشار حالات الذعر والهلع بين الناس بسبب المداهمات المستمرة للمنازل وعمليات أسر وقتل الكثير من أبطال الكويت.
وبعد أن من الله على البلاد بنعمة التحرير انطلقت عزيمة تلك المجموعة من الفنانين الصامدين في سباق مع الزمن ونفضوا عنهم غبار الانكسار والقهر وبذلوا المساعي لتكوين فريق تطوعي يجتمع في مركز ثقافي سمي بـ(26 فبراير) وتحديدا في إحدى مدارس وزارة التربية.
وبادر هؤلاء الفنانون بتجميع أكبر عدد ممكن من اللوحات والصور المؤرخة لتلك الفترة العصيبة والفارقة في تاريخ البلاد لتواصل المجموعة مسيرتها وتفتتح أولى معارضها الفنية على أنقاض مبنى تعرض لقصف القوات العراقية مما شكل النواة لمسيرة طويلة ممتدة من الملتقيات الفنية والثقافية تستهدف جميعها إيصال رسالة الكويت إلى دول العالم عبر رؤى فنية وثقافية عدة.
ومن بين الفنانين الصامدين والمعاصرين لتلك المرحلة العصيبة التشكيلي والأستاذ المحاضر في المعهد العالي للفنون المسرحية عنبر وليد الذي روى لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الأحد كيف أن ظروف الغزو العراقي الغاشم بكل تفاصيلها صنعت منه فنانا ذا تجربة عميقة خصوصا أنه شاهد المقاومة الكويتية واستشهاد العديد من المقربين له وأنه سعى لترجمة أحاسيسه عبر لوحات ورسومات تروي مدى القهر والظلم وعميق المعاناة آنذاك.
وأضاف وليد أن مرور تفاصيل الغزو العراقي الغاشم على فنان عاصر المرحلة لم تكن بالأمر الهين لا سيما أنها كانت السبب باتباعه أسلوبا فنيا غير مباشر برسم الشخوص والأماكن والتي كانت جميعها مقيدة تلفها خيوط سوداء شبيهة بالسلاسل تمر على الأجساد والأفواه لكنها تحاول التحرر وكسر القيود وأنه رغم جميع معطيات المرحلة السلبية والمحبطة فإنه كان يتحلى بإيمان عميق بعودة الوطن وانتهاء الظلام.
وذكر أنه مع بزوغ شمس التحرير التقى بالفنان الراحل سليمان الفهد الذي أدى دورا مهما في مشاركة أعماله الفنية بمنشور يومي يكرس تجربته الأمر الذي مكنه فيما بعد من الالتحاق باللجنة الفنية المنبثقة عن مركز 26 فبراير التطوعي لفنانين من مجالات متنوعة والمشاركة بفعالية (الألم والأمل) عام 1991 مشيرا أنها كانت بايعاز من الإعلامي الراحل محمد السنعوسي وأتاحت له فرصة تمثيل البلاد وشرح القضية الكويتية فيما بعد.
وبين أن الحركة الفنية فمما بعد التحرير شهدت تطورا متسارعا واكب جهود البلاد آنذاك في تمثيل قضية الكويت داخليا وخارجيا والإسهام بيد واحدة في إعادة بناء الوطن وإعماره.
وأفاد وليد بأن أعماله الفنية امتدت لتشمل عمل عدة جداريات بمشاركة فنانين تشكيليين آخرين بالتعاون مع وزارتي التربية والإعلام قائلا إن التجربة وما تحمله من ذكريات مؤلمة تحثنا على التمسك بتراب الوطن والعمل الدؤوب والمتواصل من أجله.
من جانبه قال عضو المرسم الحر وهيئة التدريس بالمعهد العالي للفنون المسرحية وليد سراب لـ(كونا) إنه لا ينسى الشعور الغامر بفرحة التحرير والخلاص من قيود الأسر التي أثرت مخيلته بعد أن عاش فترة الصمود ومقاومة المحتل.
وأكد سراب أن رعاية الجهات الرسمية في البلاد واحتضانها للفنانين بمختلف القطاعات أسهم في إيصال رسائل الكويت الإنسانية بهذا الخصوص.
وأضاف أن الحركة الفنية تطورت فيما بعد وتأصل دورها في المجتمع لافتا إلى أن لوحاته كانت تحكي مفردات جديدة لم يعشها المجتمع الكويتي عنوانها الألم والظلم والشعور العميق بالمعاناة لا سيما مع عمليات أسر بعض من أفراد أسرته والأصدقاء المقربين.
وأشار إلى مشاركته في معرض (26 فبراير الألم والأمل) بـ14 لوحة تعبر عن قضية الأسير حتى لقب آنذاك بـ(أسير الغزو) والتي تعبر عن مدى تأثره بتلك القضية الإنسانية.
وأوضح أن تلك المشاركة أحدثت تغيرا كبيرا في مسار حياته إذ بدل مسار دراسته الأولى بآخر ينصب في الشأن الفني بعد أن لامس مكانة وتأثير الفنون المختلفة على المجتمع وقدرتها على حمل القضايا وتوصيلها لشتى بقاع الأرض.
وذكر سراب أنه اختزل كل مشاعره المصاحبة لفترة الغزو العراقي الغاشم وحولها إلى رسومات تشكيلية وجداريات تعبر عن مدى الألم والمعاناة والمشاعر النقيضة التي كان ملؤها الأمل والإرادة بعودة البلاد.
وأشار إلى أنه مع انتشار الأمن والاستقرار في البلاد طبعت تلك المشاعر على لوحاته لحظات لا تمحى من الذاكرة أبدا.