كشف باحثان أنهما استطاعا فك لغز القرصان البحري الإنجليزي هنري أفيري الذي لقب بـ”ملك القراصنة”، والذي اختفى عن الأنظار فجأة بعد تمكنه من الاستيلاء على “كنز كبير”، ولم يعرف أثره بعد ذلك.
بحسب ما نشرت صحيفة The Guardian البريطانية الأحد 31 مارس/آذار 2024، فإن الدكتور شون كينغسلي وريكس كوان، وهما باحثان يعملان في استكشاف حطام السفن القديمة، قد قادهما البحث إلى أن “ملك القراصنة” أفيري تمكن من الاختفاء بالانضمام إلى الخدمة لدى ملك إنجلترا، ويليام الثالث، والعمل جاسوساً تحت إمرته!
في البداية، كان القرصان البحري الإنجليزي هنري أفيري من أعتى القراصنة في عصره، فقد تمكن الرجل في عام 1659 من قيادة طاقمه المكون من 160 فرداً لإنجاز أكبر عملية قرصنة في تاريخ أعالي البحار.
فقد نهب وأتباعه سفينة مملوكة لسلطان مغول الهند، واستولوا على غنيمة من الذهب والفضة والياقوت والزمرد والماس تزيد قيمتها بتقديرات اليوم على 107 ملايين دولار أمريكي.
وعلى الرغم مما بذل من جهود كثيرة لملاحقته والقبض عليه، فإنه اختفى من دون أثر، وظلت قصته مادة للحكايات الأسطورية لأكثر من 300 عام.
في الدراسة الجديدة، يزعم المستكشفان شون كينغسلي وريكس كوان أن أفيري، الذي كان ضابطاً في البحرية الإنجليزية قبل العمل بالقرصنة، التحق بالعمل ضمن شبكة معقدة من جواسيس النظام الملكي ممن برعوا في مختلف أنواع التآمر والحيل، وكرَّس نفسه لحماية التاج الإنجليزي من أخطار الداخل والخارج، ويبدو أن حصل على عفو ملكي مقابل التنازل عن حصة من غنائمه التي استولى عليها.
واستشهد كينغسلي وكوان على صدق النتائج التي توصلا إليها برسالة مشفرة لم تُنشر من قبل، كتبها “أفيري القرصان”، من مدينة فالماوث في مقاطعة كورنوال، وتُظهر عمله في مهمة تجسس للتاج البريطاني. وقد بقيت الرسالة منسية بعد إدراجها في سجلات خاطئة من الأرشيف الاسكتلندي.
يعود تاريخ الرسالة إلى ديسمبر/كانون الأول من عام 1700، أي بعد 4 سنوات من نهب أفيري لسفينة الإمبراطور المغولي أورنجزيب، الذي كان أغنى رجل في العالم آنذاك، ثم اختفائه عن الأنظار بعد ذلك.
اكتشف كينغسلي وكوان أن الرسالة تربط أفيري بإحدى شبكات التجسس الكبرى لدى التاج البريطاني، والتي يُعتقد أنها ضمت التاجر والكاتب الإنجليزي المشهور دانييل ديفو، ورئيس أساقفة كانتربري توماس تينيسون، رئيس أساقفة كانتربري. وقد شارك أفراد هذه الشبكة في حماية إنجلترا البروتستانتية من تهديد “البابوية”، والغزو الكاثوليكي من فرنسا، والتصدي لمساعي الأعداء الرامية للاستيلاء على العرش.
عثرت زيليدي، زوجة كوان الراحلة، على الرسالة قبل سنوات عندما كان الزوجان يتعقبان السفن التجارية الغارقة لشركة الهند الشرقية الهولندية. وقال كينغسلي، عالم الآثار البحرية ورئيس تحرير مجلة Wreckwatch المعنية بعلم الآثار البحرية الغارقة، لقد “أدركت زوجتي وقتها أنها عثرت على كنز تاريخي لا يعثر المرء على مثله إلا مرة واحدة في العمر”.
وما زاد من غموض الرسالة أن نصفها كان عصياً على القراءة، لأنها مكتوبة برموز رقمية مشفرة، وقال كينغسلي: “سألنا أنفسنا: من كان يكتب بمثل هذه الرموز المشفرة في عام 1700؟ وكانت الإجابة هي الدبلوماسيين والجواسيس البريطانيين”.
وقال كوان: “لقد أمضينا سنوات ونحن نحاول أن نحلَّ سر اختفاء أفيري”، وقد بذل كثيرون وسعهم، ومنهم ضباط عملوا في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إلا أن المساعي دائماً ما كانت تبوء بالإخفاق.
وأشارت الرسالة في مقطع منها إلى مسؤول الاتصال الذي يفترض أن يقابله أفيري في ذلك المساء، وذكرت كذلك أن جهة الرد هي عنوان “مبنى البريد” في فالماوث.
وقال كينغسلي: “فالماوث في عام 1700 كانت المكان الذي تنطلق منه سفن الطرود. لذا فهي المكان الذي يتمركز فيه من يريد مراقبة الأخطار [على التاج البريطاني] واعتراضها والتصدي لها”.
وكشف كينغسلي وكوان عن هذا الاكتشاف في كتابهما الجديد، الذي من المقرر أن يصدر في 2 أبريل/نيسان، ويحمل عنوان: “ملك القراصنة: مغامرات هنري أفيري الغريبة، وميلاد العصر الذهبي للقرصنة” The Pirate King: The Strange Adventures of Henry Avery and the Birth of the Golden Age of Piracy.
ويذهب الباحثان في كتابهما إلى أن أفيري انضم إلى عالم القراصنة بدافع الانتقام، فقد تيتَّم وهو طفل وسرق الحاكم ميراثه. وقد تنوعت النظريات بشأن مصيره، فمنهم من قال إنه هرب إلى مدغشقر، ومنهم من قال إن غنائمه سُلبت ومات مفلساً في مقاطعة ديفون.
قال كينغسلي: “لقد رُويت قصة أفيري في كتب وقصائد وأهازيج ومسرحيات في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، على نحو يفوق أي قرصان آخر”، و”لا يزال القراصنة يستحوذون على خيال الناس إلى اليوم، فهم مثل أبطال الطبقة العاملة”، وقد كان أفيري الرجل الذي بدأ العصر الذهبي للقرصنة في إنجلترا.