لعقود من الزمان، كانت القشرة الحسية الجسدية في الدماغ تعتبر مسؤولة فقط عن معالجة المعلومات الحسية من أجزاء الجسم المختلفة. ولكن أصبح من الواضح مؤخرًا أن هذه البنية تشارك أيضًا في مراحل مختلفة من معالجة المشاعر، بما يشمل التعرف على المشاعر وتوليدها وتنظيمها، بحسب ما ورد في مقال بروفيسور أدريانا مندريك، الأستاذة بقسم علم النفس بجامعة بيشوب والذي نشرته “The Conversation”.
تقول بروفيسورة مندريك إنه خلال العقد الماضي أثناء تلقيها تدريبات على أساليب علاجية قائمة على برامج التأمل اليقظ للمشاعر والعلاج بحركات الرقص، أدركت أن القشرة الحسية الجسدية تعمل بشكل جيد ومتطور وأنها تساعد الإنسان على تجربة العالم من حوله ونفسه بشكل أعمق وكامل، بما يمكن أن يُثري تجربته العاطفية ويُحسن صحته النفسية.
القشرة الحسية الجسدية
وتضيف البروفيسورة مندريك أنه تم اكتشاف حدوث تغييرات هيكلية ووظيفية في القشرة الحسية الجسدية لدى الأفراد المصابين بالاكتئاب والقلق والاضطرابات الذهانية. وتشير تلك الدراسات إلى أن القشرة الحسية الجسدية يمكن أن تكون هدفًا علاجيًا لبعض مشاكل الصحة النفسية، وكذلك للتدابير الوقائية.
وعلى حين اقترح بعض الباحثين تعديلًا عصبيًا للقشرة الحسية الجسدية عن طريق التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة أو التحفيز العميق للدماغ، إلا أنه، من وجهة نظر مندريك، ينبغي، قبل اللجوء إلى هذا الإجراء، أن يتم التفكير في الأساليب العلاجية غير الشائعة التي تعتمد على التأمل اليقظ للمشاعر وحركات الرقص أو الأساليب الأخرى التي تركز على الجسم في العلاج النفسي، موضحة أن تلك الطرق تستخدم الجسم بالكامل لتعزيز الوعي الحسي والتنفس والحركة. وتشير إلى أن هذه العوامل يمكن أن تعزز الوعي الذاتي العام، مما يساهم في تحسين الصحة النفسية من خلال إعادة التنظيم المحتملة للقشرة الحسية الجسدية.
الأهمية الوظيفية
تقول البروفيسورة مندريك إن إحدى الصفات المدهشة للقشرة الحسية الجسدية هي اللدونة الواضحة، أي القدرة على إعادة التنظيم والتكبير مع الممارسة أو الضمور عند عدم الاستخدام والممارسة، شارحة أن اللدونة تعتبر أمرًا بالغ الأهمية عند التفكير في التدخلات القائمة على التأمل اليقظ والعلاج بحركات راقصة لأنه من خلال العمل مباشرة مع أحاسيس الجسم والحركة، يمكن تعديل القشرة الحسية الجسدية.
التأثير على باقي الدماغ
إن هناك جانبا آخر مهم هو أنه من الصلات العديدة للقشرة الحسية الجسدية بمناطق أخرى من الدماغ يمكنها التأثير عليها، وبالتالي تؤدي إلى تحسين في كامل الدماغ حيث إنه مترابط بشكل كبير ولا يعمل أي جزء من أجزائه بمعزل عن الآخر.
تتلقى القشرة الحسية الجسدية معلومات من الجسم كله، بحيث يعالج الجزء الأيسر من القشرة المعلومات من الجانب الأيمن من الجسم والعكس صحيح. ولكن تعتمد نسبة القشرة المخصصة لجزء معين من الجسم على أهميتها الوظيفية وليس حجمها المادي، فعلى سبيل المثال، يتم تخصيص نسبة كبيرة من القشرة الحسية الجسدية لليدين، وبالتالي فإن مجرد تحريك اليدين والشعور بهما ربما يكون خيارًا مثيرًا للاهتمام للعلاج بالرقص لمن يعانون من تقييد الحركة.
تتوسط القشرة الحسية الجسدية الإحساس باللمس والضغط ودرجة الحرارة والألم، إلى جانب الحس العميق مثل معلومات الوضعية والحركة والإدراك الداخلي، أي الأحاسيس داخل الجسم، والتي غالبًا ما ترتبط بحالة الجسم الفسيولوجية، مثل الجوع والعطش، على الرغم من أن دورها في الوعي الداخلي يعد جزئيًا فقط.
التأثير على العاطفة
وتقول مندريك يمكن لرائحة أو أغنية أو صورة أن تجلب فجأة إلى الذهن حدثًا مدفونًا ومنسيًا بعمق. وبالمثل، فإن الشعور بملمس مثل الكشمير على البشرة، أو تحريك الجسم بطريقة معينة (مثل القيام بانحناء خلفي أو التأرجح ذهابًا وإيابًا) يمكن أن يكون له نفس التأثير أو أكثر، مشيرة إلى أنه يمكن أن يجلب الذكريات المكبوتة إلى السطح ويثير ردود فعل عاطفية ويخلق تحولات في الحالة، مؤكدة أن هذه هي إحدى القوى الخارقة للعلاج القائم على التأمل اليقظ وبحركات الرقص.
وتمضي البروفيسورة مندريك شارحة أن هذه الاستجابة تحدث عبر القشرة الحسية الجسدية، تمامًا مثل حدوث التفاعلات العاطفية والمعرفية لأغنية ما عبر القشرة السمعية، أو تجاه الروائح عبر القشرة الشمية. ولكن إذا توقفت المعلومات عن التدفق على المستوى الحسي البحت (ما يشعر به الشخص ويسمعه ويراه ويتذوقه ويشمه)، فسيتم فقد جزء كبير من العواقب العاطفية والمعرفية.
علم الأعصاب
وتكشف مندريك أن علماء الأعصاب تمكنوا حاليًا، ولا يزالون يكتشفون تقريبًا، الشبكات العصبية المسؤولة عن ردود الأفعال. على سبيل المثال، تظهر الأبحاث وجود علاقة بين تطوير الحساسية الحسية وتنظيم المشاعر. وتأتي الأدلة من دراسات التأمل والأساليب العلاجية القائمة على اليقظة، والتي غالبًا ما تتضمن ممارسة مسح الجسم (الانتباه إلى أجزاء من الجسم والأحاسيس الجسدية في تسلسل تدريجي، على سبيل المثال من القدم إلى الرأس) والعودة إلى الجسد وتستخدم الأحاسيس كمراسٍ أثناء التأمل.
بشكل عام، تُظهر الدراسات أن الأشخاص الذين يتدربون على فحوصات الجسم و / أو يطورون وعيًا حسيًا للتنفس (الشعور بالنفس الذي ينتقل عبر فتحات الأنف والحنجرة وما إلى ذلك) يكونون أقل تفاعلًا وأكثر مرونة. يتم التوسط في هذا التأثير، جزئيًا على الأقل، من خلال القشرة الحسية الجسدية.
الآثار السريرية
نظرًا للدور الناشئ للقشرة الحسية الجسدية في العاطفة والمعالجة المعرفية، تقول مندريك إنه ليس من المستغرب أن تكون التغيرات في بنية ووظيفة هذه المنطقة من الدماغ موجودة في العديد من مشاكل الصحة النفسية، بما يشمل الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب وانفصام الشخصية.
على سبيل المثال، لوحظ انخفاض في سمك القشرة وحجم المادة الرمادية في القشرة الحسية الجسدية لدى الأفراد المصابين باضطراب اكتئابي كبير (خاصة أولئك الذين يعانون من بداية مبكرة) وفي الاضطراب ثنائي القطب. في مرض انفصام الشخصية، لوحظ انخفاض مستويات النشاط في القشرة الحسية الجسدية، خاصة في المرضى غير المعالجين.
وتختتم البروفيسورة مندريك قائلة إن تنشيط القشرة الحسية الجسدية يمكن أن يساعد على التواصل مع الأجساد وتنمية الأحاسيس والقدرة على الشعور بالمتعة. إنها الطريقة التي يمكن أن يساعد بها التحرك الذهني والرقص بوعي والتأمل مع الجسد كله على تنظيم العواطف والتواصل مع النفس ومع العالم بشكل أكثر عمقًا.