يتعرض سوق العمل إلى التغيير بسرعة، أكبر من أي وقت مضى. ويتوقع أن تختفي الكثير من الوظائف الموجودة حاليا.
وهناك عاملان أساسيان مسؤولان عن هذا التغيير، حسب المنتدى الاقتصادي العالمي، هما: صعود التكنولوجيات الجديدة والأنظمة الآلية، من جهة، والتوجه نحو الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة، من جهة أخرى.
ويتوقع أن يدخل التطور السريع في التكنولوجيات الجديدة مثل البيانات الضخمة والحوسبة السحابية تغييرات عميقة في سوق العمل.
والجانب الإيجابي في الأمر أن مجيء التكنولوجيات الجديدة سيعطي دفعا عاما للاقتصاد. فبينما تقضي على أنواع من الوظائف فإنها ستستحدث أنواعا أخرى كثيرة. فالنشاط الاقتصادي يتوسع إذا تمكن من تحقيق المزيد بموارد أقل.
ويقول الباحثون في المنتدى الاقتصادي الدولي إن حوالي ربع المهن الحالية ستتغير في السنوات الخمس المقبلة.
وعليه، فإنه على من يريد أن ينجح في سوق العمل بتنافسيته المتزايدة أن يتعلم مهارات جديدة باستمرار وأن يحرص على صقل قدراته.
أهم المهارات
وتعد المعرفة التقنية واحدة من أهم المهارات المطلوبة لنتمكن من المنافسة في سوق العمل الجديد. وهذا لا يعني أن أي أحد لابد أن يعرف لغات البرمجة، ويفهم تعقيدات تعلم الآلة. ولكن الاعتقاد السائد هو أن الوظائف ستكون مطلوبة أكثر في مجالات العلوم والتكنولجيا والهندسة والرياضيات.
وإذا أردت أن تعرف ما هي المواد التي ينبغي أن يركز عليها أطفالك في المدرسة، فالجواب هو الرياضيات والحوسبة، والعلوم الطبيعية.
والمهارة الثانية، التي يبحث عنها الناس، هي التفكير التحليلي. ومن أجل تحسينها، علينا أن نصقل قدراتنا الإداركية. وبعبارة الأخرى الذهن والقدرة على ملاحظة الأنماط، والربط بين الوقائع، والخروج بنتائج لا تشوبها العواطف أو الاختيارات الشخصية.
ولتحقيق ذلك، علينا أن نتدرب على الانتباه والتركيز، لأن الأدوات الآلية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وألعاب الإنترنت، والإعلانات، كلها تتصارع من أجل لفت انتباهنا، وإثارة الخوف فينا من أن يفوتنا شيء.
ويتضمن التفكير التحليلي أيضا الفضول والتدريب الذاتي المتواصل، والتحسن والتعلم باستمرار. فعليك أن تركز على أهدافك في الحياة.
ويعد تعلم الإنجليزية بالمقاييس العالية أيضا من المهارات التي ينبغي اكتسابها، وكذلك الإبداع.
ففي العلوم والهندسة والتصميم والفنون، تمنح الترقيات الذهبية لمن يتمكن من الجمع بين المعرفة التقنية والإبداع.
ومهما تطورت الآلات فإن الناس سيحتاجون دائما إلى الناس. وستزداد قيمة انتباه الناس، والعمل الجماعي، والقدرة على الاستماع، وعلى رواية القصص، ودعم الغير والتضامن معهم.
وحسب تقرير نشر على موقع “لينكدإن” الخاص بالمهنيين، فإن التواصل أصبح على رأس المهارات المطلوبة اليوم في سوق العمل.
ويقول داني نيغروني، خبير الكفاءات في أماكن العمل: “بتزايد استعمال الذكاء الاصطناعي والإنسان الآلي في أمكان العمل، والتكنولوجيات التي تسمح لنا بالتواصل مع الناس عبر العالم، أصبح مهما، أكثر من أي وقت مضى، أن نعرف كيف نتحدث ونستمع إلى بعضنا البعض حتى نتواصل”.
التكنولوجيات الجديدة
ولن يتفاجأ أحد من أن تصبح تكنولوجيات الإعلام والتكنولوجيات الجديدة من أقوى الصناعات الواعدة في المستقبل القريب. فتطور الذكاء الاصطناعي وتعليم الآلات سيمنحان فرصا جذابة.
ومن بين المهن الواعدة مستقبلا في هذا الميدان، مهنة مهندس التلقين. وهو متخصص في التواصل مع نماذج الذكاء الاصطناعي. يساعد قي تصحيح صياغة الطلبات، ويكون وسيطا بين الذكاء الاصطناعي والناس.
ومن بين الوظائف الأخرى المرتبطة بالذكاء الاصطناعي: وظيفة المتخصص في أخلاقيات المهنة، ومهندس الأمن ومطور الواجهة السهلة الاستعمال بين الإنسان والآلة.
فالمطلوب من الناس عموما في مختلف المهن أن يستقبلوا الذكاء الاصطناعي كشريك لهم وليس كمنافس، وأن يفهموا كيفية التعاون معه.
وهناك مجال آخر فيه فرص كثيرة، هو تحليل البيانات الضخمة. ويتعلق بتحليل أنواع كبيرة من المعلومات، بداية من الوسائط على الإنترنت، مثل نتفليكس إلى مصادم الهدرونات أو أنظمة التحكم.
ولن تضيق فرص التوظيف في مجال الأمن على الإنترنت أيضا، وذلك لوجود المزيد من المعلومات والبيانات المهمة المطلوب حمايتها.
وسيحتاج سوق العمل إلى متخصصين في التكنولوجيات المالية، والمحللين في مجال المال والأعمال، ومطوري الوحدات المجمعة.
الوظائف الخضراء
وحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي 2023 عن الوظائف المستقبلية، فإن الطلب على الوظائف الخضراء يتزايد بسرعة في مختلف القطاعات والصناعات.
ويذكر التقرير أن “التحول الأخضر قد يخلق عالميا 30 مليون وظيفة في الطاقات النظيفة، وتكنولوجيات الفاعلية والانبعاثات الضعيفة، بحلول عام 2030”.
والدول الرائدة اليوم في فرص العمل بمجالات الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة هي الدول الغربية واليابان. وتلتحق الصين بها تدريجيا.
وترتبط هذه الوظائف بالمال والأعمال والعلوم والسياسة، أو بالبيئة مباشرة، في المجالات التي تعمل على تطوير الطاقات المتجددة، أو مصادر الطاقة الجديدة والبطاريات، أو حماية الأنواع المهددة بالانقراض، أو استشارات المال والأعمال، أوالاستشارات القانونية والتغييرات في قوانين حماية البيئة.
وسيتزايد الطلب أيضا على المتخصصين في التخطيط العمراني، والمهندسين المعماريين، وعلى المصممين والمطورين للمنازل الذكية.
العاملون في قطاع الصحة
وبما أن العالم يشيخ، ومتوسط العمر المتوقع يطول، فإن الحاجة إلى الرعاية الصحية والعلاج ستزداد أكثر فأكثر.
فالحاجة إلى العاملين في قطاع الصحة ستبقى كبيرة في المستقبل القريب، خاصة المساعدين الطبيين الذين يقدمون الأدوية للمريض والدعم المعنوي أيضا.
وسيكون على الأطباء وخبراء الصحة أن يتعلموا باستمرار للتأقلم مع الأساليب الجديدة في التشخيص والعلاج. وسيكون الذكاء الاصطناعي في مساعدتهم.
وسيتوفر العمل لخبراء العلاج النفسي، والمرشدين في التطوير الذاتي، والعلاج الروحاني، أيضا.
العمل اليدوي
وستستمر الحاجة في الأعوام المقبلة إلى العامل اليدوي مثل: الميكانيكي، أو عامل التصليح، أو الكهربائي أو البناء.
فلا يستغنى أحد عن الإنسان عندما تكون الحاجة إلى أداء المهام الصغيرة والدقيقة في الظروف المختلفة. ولكن المتخصصين مطالبون بتحسين معارفهم التقنية والتحكم في الأدوات الذكية، حتى يحافظوا على وظائفهم.
ويتوقع أن يتزايد الطلب على مهن جديدة في الزراعة أيضا. فعدد سكان كوكبنا في نمو مستمر. وكل واحد فينا بحاجة إلى الأكل. ولكن الطلب سيكون على المهندسين الماهرين أكثر منه على المزارعين.
وظائف ستختفي
هناك وظائف ستختفي قريبا من السوق. ويتعلق الأمر بالأعمال التي يسهل أداؤها آليا.
وهذه قائمة بالوظائف التي يتوقع أن تختفي من سوق العمل:
- خدمة الزبائن (الصراف، البائع، المستشارون، وغيرهم)
- إدارة المكاتب (بسبب تزايد عدد العاملين من البيت)
- إدخال البيانات (الموظفون في الإحصائيات، والمالية، والمترجمون التقنيون)
- المحاسبة
- عمال المعامل الذين يؤدون مهام تكرارية
مهنة واحدة لا يشير إليها المهتمون بالمستقبل، ولا شك أنها ستبقى ضرورية في المستقبل، وهي رواية القصص.
وسيبقى كل عمل إبداعي ينقل التجربة الإنسانية بأهميته مثلما كان دائما منذ آلاف السنين.
وستستمر الحاجة إلى الكتاب والشعراء والمخرجين والفنانين والموسيقيين، على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي سيدخل بعض التحديات في مجالاتهم.