تشهد مدينة هانوفر بشمال غرب ألمانيا حتى 11 نيسان/أبريل 2021، معرضا فنيا ساخرا، برسالة فلسفية عميقة. فالمعروضات المقدمة تستعرض التاريخ البشري لكن بقراءة جديدة، وذلك بواسطة البط؟! نعم البط!
فكرة المعرض تقوم على وجود “قبيلة” للبط في شكل إنسان تعيش منذ القدم، وأن هناك حفريات عثر عليها في عصر النهضة، توثق لوجود هذا النوع من البط بوجه بشري.
بالطبع هي فكرة خرافية يقوم عليها معرض “دوكومينتا” التوثيقي الذي يقدم 300 قطعة فنية تدخل تغييرات على أعمال كلاسيكية مشهورة أو عبر تغيير وجوه الشخصيات المعروفة سواء فنيا أو تاريخيا بتقديمهم في صورة بط.
فعلى سبيل المثال يمكن مشاهدة “تشي داكيفارا”، الذي هو عبارة عن شخصية موازية للثوري الماركسي تشي غيفارا. وهناك أيضا البطة مارلين مونرو مثلما جاءت في أعمال الطباعة الحريرية الشهيرة للفنان آندي وارهول. ناهيك عن المستشارة ميركل التي لها شبيهتها في عالم البط.
الفكرة تقوم على أن قبيلة البط بقيت دائما، وأمام قوة الكائن البشري، تعيس في الخفاء ولن تستطيع الظهور لنعرف بوجودها. وأطلق الفنانون على هذه القبيلة العجائبية اسم “أناتيدن”.
قراءة فريدة للتاريخ الأوروبي
الطريف في الأمر، أن المعروضات المقدمة هي من سائر العصور البشرية بدءاً بالإنسان الحجري مرورا بالفراعنة والرومان وعصر التنوير عبر “موناليزا البط”، ثم الثورة الصناعية وتكون الرأسمالية وصولا إلى ما بعد الثورة الرقمية في الألفية الثانية.
الهدف من هذا المعرض، هو تقديم ثقافة البشر “ولكن بطريقة تترك ابتسامة أو ضحكة”، يقول أنكه دوبنر، المديرالعام لمجموعة “انتر داك” الفنية ببرلين. وتتساءل: “كيف ستتغير طريقة إدراكنا للفن والثقافة إذا ما كانت مثل ذلك البط موجود حقا؟”.
في حقيقة الأمر، الفكرة ليست بجديدة وإنما منبثقة عن مجموعة “انتر داك” الفنية التي ظهرت أعمالها لأول مرة في ثمانينات القرن الماضي كمزحة في أكاديمية براونشفايغ الفنية، بحسب دوبنر. ومن ذلك الحين ظهرت الأعمال الساخرة في أكثر من 70 متحفا واطلع عليها أزيد من مليوني زائر، بحسب منظمي المعرض.
رمزية البط
بالنسبة لمنظم المعرض إيكهارد باوراستاذ مادة تاريخ الفن الاجتماعي في جامعة هانوفر، الهدف من هذه الحركة الفنية هي بلورة قراءة خاصة للتاريخ البشري بعيدا عن النظرة الأمريكية المسيطرة عبر مدرسة والد ديزني الساخرة.
والاستعانة بالبط الذي هو بالأصل من أحد أهم شخصيات أعمال وولدديزني، هو رمز لمدى تأثير ثقافة البوب الأمريكية على الثقافة الأوروبية الجامعة. ويقول إيكهارد باول إنه ولسنوات عمل مع طلابه على تطوير أفكار في هذا الاتجاه، توصلوا إلى البط كرمز لأمركنة الثقافة الأوروبية منذ منتصف القرن الماضي.
ومنذ أول المحاولات والعروض في ثمانينيات القرن الماضي إلى اليوم، تمّ تطوير نحو 500 قطعة فنية من صور وتماثيل وغيرها.
ويوضح الخبير في تاريخ الفن أن الهدف ليس السخرية من الأعمال الكلاسيكية، بل بالعكس إنه فقط محاولة جديدة لعرض التاريخ، ولهذا السبب لم يتم في “العشاء الأخير” للإيطالي ليوناردو دافينتشي، تقديم عيسى المسيح على شكل بطة، وإنما اقتصر الأمر على حوارييه فقط.
ويشكو إيكهارد باور في تصريحات نقلتها الوكالة الألمانية (د ب أ)، من أن المتاحف الكبرى والعريقة عادة ما ترفض فتح أبوابها لـ”دوكومنتا” معتبرة أنه فن ربما تجاوز حدود السخرية، ولهذا أشاد بقوة بمتحف هانوفر وقراره في احتضان العرض الجديد.
المصدر: DW