د.سالم مطرود الشمري: الرياضة الكويتية بحاجة إلى «مؤتمر إنقاذ وطني».. والمفروض أن يكون لدينا 76 نادياً

تعد الرياضة ركنا أساسيا في نهضة المجتمعات، وحجر الزاوية في تطورها وتقدمها، فالمجتمع الرياضي صحي بالضرورة، خال من الأمراض، مقبل على العمل والحياة، منتج ومبدع دائما، ولذلك تولي أغلب دول العالم القطاع الرياضي أولوية قصوى، فضلا عن كونه يضم الشريحة الأكبر من الشباب الذين يمثلون بدورهم خزينة الغد، وعماد المستقبل.

الرياضة اليوم، ليست كما كانت عليه بالأمس، فما تطلبته مرحلة ستينيات القرن الماضي وسبعينياتها للانطلاق، مغاير تماما لمقتضيات مواصلة المشوار في بدايات الألفية الثالثة، كما أن الشباب اليوم غير أبيه وجده بالأمس، طريقة التفكير، أسلوب الحياة، وصراع داخلي يومي مرير بين ما يريد، وما هو متاح، والثورة التكنولوجية الجارفة تدفع الحياة «بجنون» لتنتزع الشباب من مجتمعاتهم، وتضعهم في بوتقة مغلقة بإحكام، وفق أطر لا تخضع بالضرورة لمعايير مجتمعاتهم.

«الأنباء» استضافت استاذ مناهج وطرق التدريس في كلية التربية بجامعة الكويت د. سالم مطرود الشمري، وتحدثت معه عن الشأن الرياضي العام وواقعه وبتجرد، ودور الأندية الرياضية، والمتخصصين من أهل العلم والمعرفة، وما يتطلبه اليوم والغد للحاق بالركب، فإلى التفاصيل:

كيف تصف الوضع الرياضي الحالي بشكل عام؟

٭ مما لا شك فيه أن الوضع الرياضي مزعج، ولا يولي اهتماما الا لقطاع الرياضة التنافسية، ومن المستحيل أن يبنى مشروع دولة على قطاع واحد فقط، والمنظومة الرياضية ليست حصرا بفئة دون غيرها، فهي تشمل الأسرة، والصغير والكبير، والشباب، أفرادا ومجاميع، والقطاعــات الرياضيــة الأخرى تعد مغيبة وبعيدة عن اهتمام الدولة، وهذا ما يجب ألا يكون، وقد حظي قطاع الرياضة للجميع باهتمام محدود لفترة زمنية قصيرة، ولكن مع الأسف سرعان ما تلاشى هذا الاهتمام، فضلا عن أن القطاع «ولد ميتا»، فلم يكن له دور محدد، أو تأثير على المجتمع بمختلف شرائحه.

كما أن هناك الكثير من القوانين الرياضية غير مفعلة، مثل قانون الشراكــــة المجتمعيـــة بين القطاعين الخاص والحكومي، والذي يحجز جزءا من أرباح المؤسسات الخاصة (بحد أقصى 10%) للخدمة الاجتماعية، وبما يعزز المنظومة الرياضية، كما يفترض على القوانين أن تقوم بتحفيز القطاع الخاص، للقيام بدوره، ولك أن تتخيل، كفكرة مطروحة، كثافــة المشاركين فــي «ماراثون أسري» تخصص له الجائزة الأولى بقيمة 20 ألف دينار، يشترط معه مشاركة الزوج والزوجة وأحد الأبناء، وعليه فإن «تحريك المجتمع» رياضيا ليس بالأمر الصعب أو المستحيل.

كيف تجد الرياضة التنافسية كواقع حال؟ وهل هناك قصور في الرؤية العامة للرياضة؟

٭ الرياضة التنافسية متراجعة كثيرا عما يجب أن تكون عليه، وحالها مؤسف، انجازات كبيرة سطرها أبطال الكويت في الألعاب الجماعية والفردية في الأعوام الماضية، ولكن مع الأسف تراجعت النتائج عاما بعد آخر، وأصبحنا نعيش على ذكريات الماضي، حتى أصبح الوضع الحالي مؤسفا بدرجة كبيرة، كما أنه يجب ألا نغفل أن الرياضة التنافسية في مجملها للذكور فقط، وذلك رغم أن العنصر النسائي يشكل 60% في المجتمع الكويتي.

وعلينا معرفة مواطن الخلل وتشخيص الحالة، لأفضل معالجة، وليس جلدا للذات، فالدولة تنفق مليار دينار كل 10 أعوام، ولكن أين المردود؟! لا شيء مع الأسف، نعم هناك قصور في التنفيذ، وهذا مرده إلى القيادات الرياضية التي تسعى للمواءمة دائما بين السياسة ممثلة بالتجاذبات البرلمانية والرياضة عند اتخاذ القرار، وهذا أمر لا يخدم الرياضة بمجملها، وخذ مثلا الرياضة النسائية، فالذي يريد التطوير عليه مواجهة العقبات المحتملة دون تردد وتجاوزها والتغلب عليها.

ماذا تحتاج الرياضة الكويتية لانتشالها من الوضع الحالي؟

٭ تحتاج إلى أشبه ما يكون بـ «مؤتمر إنقاذ وطني» يجمع فيه المتخصصون، والمهتمون، والمسؤولون، والاعلام، وتطرح من خلاله جميع الرؤى، لأجل الخروج برؤية متكاملة، واستراتيجية موحدة تأخذ بيد الرياضة إلى مرحلة جديدة، معالجة معها كل السلبيات.

هل نحن مجتمع مقبل على ممارسة الرياضة؟

٭ تطوير الرياضة وجعلها أسلوب حياة، من شأنه أن يقي افراد المجتمع من الأمراض المختلفة، وتشير الدراسات الميدانية إلى ارتفاع نسبة الاصابة بداء السكري لدى السيدات، لقلة ممارسة الرياضة، كما سجلت كلية الطب ارتفاع معدل «العمليات القيصرية» في الولادة، مقارنة بالولادة الطبيعية، نتيجة لقلة النشاط البدني، وهذا يؤدي الى تأثيرات سلبية مالية وصحية على المجتمع بأسره.

ومع الأسف قد أصبحنا مضرب الأمثال في عدم الاقبال على ممارسة الرياضة، فمنظمة الصحة العالمية على سبيل المثال، منذ عام 2010 وهي توجه أشبه ما تكون برسائل تحذيرية للمجتمع الكويتي، للاهتمام بالقطاع الرياضي المجتمعي، ولعل الأكثر إيلاما هو «مؤشر الخمول البدني» في المجتمع الكويتي الذي يعد الأعلى على مستوى العالم، وهذا نلحظه بشكل جلي في كثرة المشاكل الصحية من زيادة السمنة، وارتفاع اعداد المصابين بداء السكري حتى وصل إلى 26% من المجتمع الكويتي، وبتكلفة اقتصادية سنوية تصل إلى 100 مليون دينار لعلاج النوع الثاني من داء السكري، وكذلك زيادة المشاكل النفسية والاجتماعية، ولعل زيادة العنف أحد أبرز تلك المؤشرات، وإن عدنا إلى سنوات ازدهار الرياضة بالكويت، تجد أن معدل العنف في أدنى مؤشراته، وعدم ممارسة الرياضية ليس مشكلة الفرد بالدرجة الأولى، فهي مسؤولية مشتركة بين الدولة بمؤسساتها المتنوعة والفرد على حد سواء.

هل تعد الأندية بوضعها الحالي أماكن جذب لمختلف شرائح المجتمع؟

٭ لا مطلقا.. يمكن أن يكون هناك ناد أو اثنان على أقصى تقدير، أما البقية فدورها ينحصر في الرياضة التنافسية التي تخاطب شريحة معينة من الرياضيين (اللاعبين)، ولعل المؤسف مما نراه حاليا، أن الأندية أضحت مكانا جاذبا للمشاريع الاستثمارية البعيدة عن الرياضة، من مطاعم وجبات سريعة وغيرها، وهذا أمر يجب أن يكون للجمعية العمومية للنادي، والهيئة العامة للرياضة دور في تقنينه، فليس هناك مانع أن يتم الاستثمار في الشأن الرياضي الصحي.

هل نحن بحاجة لزيادة عدد الأندية في الكويت؟

٭ بالتأكيد.. عندما كان عدد السكان 560 ألف نسمة، كان لدينا 15 ناديا، واليوم ونحن في 2023، وبعد أن وصلنا إلى مليون و350 ألف نسمة تقريبا، لايزال عدد الأندية على وضعه السابق، باستثناء ناديي القرين، وبرقان، وهما كيانان غير مكتملين، حيث لا توجد لديهما مقرات دائمة ومستقلة، ومن المفترض أن يتم إنشاء 10 أندية كل 10 أعوام، وبحسبة سريعة يفترض أن يكون لدينا حاليا 76 ناديا في الكويت، ودور النادي لا ينحصر في الرياضة التنافسية فقط، فهو مركز ترويحي، ثقافي، اجتماعي، وهو دورها الرئيسي، وهو يندرج ضمن الرؤية التنموية الشاملة للدولة، كما يجب إنشاء ما لا يقل عن 5 مراكز تمثل مسارا جديدا يجمع الاستثمار والرياضية في مكان واحد، من خلال الترويح عبر الرياضة، بحيث توزع على المحافظات، وهذه المراكز منتشرة في العديد من دول العالم، بحيث تقدم الدولة الأراضي المناسبة، وتفتح المجال للقطاع الخاص، وفق شروط وضوابط محددة، مع رقابة دائمة، ومن شأن هذه الفكرة أن تكون رائدة في الوطن العربي.

الرياضية النسائية.. كفاح عكس التيار

أبدى د. سالم مطرود اعجابه بالتطور الذي شهدته الحركة الرياضية النسائية في الأعوام القليلة الماضية، وقال: هناك تحرك إيجابي مدروس، وهو أمر إيجابي بلا أدنى شك، لكنه في ذات الوقت ليس كافيا، ويحتاج الى مزيد من الدعم والمساندة من قبل الجميع لتحقيق مزيد التقدم في المواسم المقبلة، وقد شهدنا نشاطا ملحوظا لمختلف الألعاب، وتقديم عديد اللاعبات لأنفسهن للمجتمع الكويتي بشكل عام، وبالإمكان أن يتقدمن خطوات عملاقة في رياضاتهن، شريطة المساندة التي لا أراها متوافرة بالزخم المطلوب، وأعتقد أن بنات الكويت يقاتلن وحدهن عكس التيار، وعلينا في المقابل ألا نقف متفرجين.

الأكاديميون والانزواء عن المشهد الرياضي!

أشار د. سالم مطرود إلى أن الأكاديميين من ذوي التخصص في المجال الرياضي كثر، وعلى اتم الاستعداد لتقديم كل اوجه المساندة، والدعم الاكاديمي المتزن لمختلف مؤسسات الدولة، وقال: حضرت والعديد من زملائي ولا نزال المؤتمرات والندوات الحوارية، وكذلك نقدم الدراسات العلمية والميدانية، الواحدة تلو الأخرى، من منطلق وطني محض، ولكن في ذات الوقت لا نقبل على أنفسنا التجاهل أو عدم التقدير من قبل الطرف الآخر، مما يجعلنا ننزوي، ونركز على شؤوننا الاكاديمية.

الخصخصة.. شراكة بين الجمعيات العمومية والقطاع الخاص

و دعا د.سالم المطرود إلى تطبيق خصخصة الأندية وفقا للطريقة الإسبانية، مبينا أنها شراكة بين الجمعية العمومية والقطاع الخاص لإدارة النادي، بحيث يكون حق إدارة المنشأة للقطاع الخاص، فيما تفرض الجمعيات العمومية بدورها رقابة كاملة على عمل مختلف قطاعات النادي، مما يجبر المستثمر على البحث الدائم عن أفضل الفرص الرياضية الاستثمارية، والأخذ برأي المتخصصين، وهو في نفس الوقت لا يغيب دور العمل الأهلي، لافتا إلى أن خصخصة الأندية ببيعها على المستثمر ليعمل ما يراه مناسبا ستأتي بنتائج كارثية، ونأمل أن نرى دور لجنة الرياضة البرلمانية في هذا الشأن وغيره من القضايا الرياضية الملحة.

Exit mobile version