عند اتخاذ قرارٍ بشأن كيفية تنويع الاقتصاد الكويتي، سأبدأ بالتركيز على ثلاثة مجالات أساسية:
أولًا، يمكن للكويت أن تهدف إلى تقليص الأنشطة المتصلة بالنفط. ومع ذلك، قد يُطرح سؤال حينئذٍ عما إذا كانت الدولة ستجبر شركات النفط حقًا على تقليل مصافي النفط وحجم الإنتاج؟ إذا كانت شركات النفط مستعدة بما يكفي للقيام بذلك، فمن المرجح أن تواجه دولة الكويت تحديات مالية خطيرة، وإن كانت قصيرة الأجل، نظرًا لأن حوالي 90 في المئة من الإيرادات المالية للبلاد تنبع حاليًا من عائدات تصدير النفط.
في هذا الصدد، تفضل دولة الكويت على الأرجح إعادة توجيه الأنشطة المتصلة بالنفط إلى أنشطة أكثر استدامة من خلال إضفاء الطابع المؤسسي على الأساليب الثلاثة التالية.
يعد الأول هو تقديم الحوافز لشركات النفط، التي يمكن أن تسد فجوة الإيرادات المتوقعة الناتجة عن تقليص الأنشطة المتصلة بالنفط، على سبيل المثال، من خلال الحوافز الضريبية أو الحوكمة التنظيمية التي يمكن أن تسمح بتوسيع عملياتها داخل القطاع غير النفطي.
ويمكن اعتباره مبادرةً نحو “التنويع” مع موازنة التحول القطاعي في الوقت نفسه.
والثاني هو تعزيز مبادرات ضريبة الكربون وتقارير المعايير البيئية والاجتماعية والحكومية (ESG) وكذلك احتمالية دعم تكيف التقنيات الخضراء التي يمكن أن تعود بفائدة فورية على العمليات التجارية. سيكون مثل هذا النهج هو الخطوة الأولى والأهم نحو وضع البلاد على مسار “النمو الأخضر”.
والثالث هو تنفيذ مبادرات رفع الوعي المتعلقة بالحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وربطها باهتمامات الصحة العامة.
يجب أن تستهدف هذه المبادرات في المقام الأول عامة الناس والأوساط الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني وخاصة الشباب. ويعد هذا النهج بالغ الأهمية حيث يكون طلب المجتمع أحد أكثر أدوات التنبيه فعالية لتغيير السلوك على مستوى المستهلك والشركات.
ثانيًا، يمكن للكويت ببساطة أن تستهدف زيادة أنشطة القطاع غير النفطي. فبالنظر إلى السوق المحلية الصغيرة نسبيًا، من الحكمة التركيز على بعدين تنمويين في هذا الصدد، وهما قطاع البناء ومشاركة القطاع الخاص.
يمكن أن يكون البناء أحد أكثر القطاعات فعالية لنمو القطاع غير النفطي في دولة الكويت. ومع ذلك، قد تُثار علامات استفهام حول مصدر القدرة الهندسية التقنية فيما يتعلق بتولي مثل هذه المشاريع.
ولسوء الحظ، فإن الإجابة الأكثر ترجيحًا هي الخارج، مما يعني أن الكويت قد تضطر إلى الاعتماد بشدة مرة أخرى على الخبرة الفنية من خارج البلاد. نتيجة لذلك، لا يحتمل أن تنشئ الكويت مجموعة أساسية من الخبرات، وبالتالي من المرجح أيضًا أن تستمر الحلقة المفرغة للاعتماد على الخبرة الهندسية من الخارج لبعض الوقت.
يجب أن يكون من أهم الاعتبارات العاجلة تطوير قدرة هندسية محلية قادرة على استيعاب هذه الخبرة الخارجية وتعزيز قاعدة المعرفة الوطنية وفقًا لذلك. ولا تعد هذه مهمة بسيطة حيث تتطلب استثمارات متوسطة إلى طويلة الأجل في التعليم خاصةً في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM). وفي هذا الصدد، يتخصص حوالي 30 في المئة فقط من الطلاب في المواد المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في حين أن الغالبية مسجلين في مجال الفنون والعلوم الإنسانية، بهدف إيجاد وظائف في القطاع العام بعد التخرج بسبب ارتفاع الأجور فيها.
بمعنى أشمل، من الضروري جعل رأس المال البشري أكثر إنتاجية وملاءمة لسياق سوق العمل. ومما يُثير الاستغراب هو أنه بالنسبة للكويت، يُشكل رأس المال البشري الذي جُمع بالداخل 24 في المئة فقط من الثروة الوطنية في حين أن المعدل العالمي يصل إلى أكثر من 60 في المئة. سيتطلب معالجة ذلك تدخلات مترابطة في أبعاد مختلفة في آن واحد، بما في ذلك التنمية في مرحلة الطفولة المبكرة وأنظمة التعليم قبل الابتدائي والابتدائي والثانوي وبعد الثانوي، وحتى التعليم الفني والتدريب المهني (TEVT) للتوافق مع احتياجات سوق العمل. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون تعظيم رأس المال البشري للشباب والنساء رؤية حاسمة.
أما بالنسبة لمشاركة القطاع الخاص، فينبغي أن يركز الاهتمام على كيفية جعل مشاركته دافعًا لعملية التنمية في البلد. ويمكن استكشاف ثلاثة جوانب رئيسية في هذا الصدد:
الأول هو إنشاء بيئة مواتية حيث يمكن للشركات الخاصة الشراكة بسهولة مع شركات النفط التي تخطط لتوسيع أعمالها داخل القطاع غير النفطي. يجب تشجيع مختلف السلطات الحكومية لهذا في شكل شراكات بين القطاعين العام والخاص (PPPs)، التي يمكن توسيعها لتشمل التعاون في مشاريع البنية التحتية الاجتماعية فيما يتعلق بأمثال المدارس والجامعات والمرافق الطبية، وغيرها من الأمور الأخرى.
ويعد الثاني هو إزالة أي لوائح ومتطلبات إدارية غير ضرورية لن تكون مفيدة للقطاع الخاص للاستجابة في الوقت المناسب لبيئة الأعمال سريعة التغير. وعلى هذا النحو، سيكون من العملي معالجة عدد من العوامل التي تؤثر على الاختناقات المؤسسية، والتي تم التعبير عنها بوضوح من خلال المؤشرات الفرعية ضمن “مؤشر ممارسة أنشطة الأعمال”، ضمن الجهود المبذولة لإعادة تشكيل النظام البيئي المستدام والإبداعي.
ويعد الثالث هو إعطاء أولوية أجندة السياسة الوطنية إلى جذب رأس المال الأجنبي. علمًا بأن الكويت تأتي في المرتبة الأخيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي من حيث أداء الاستثمار الأجنبي المباشر. وبمعنى آخر، من المقبول على نطاق واسع أنه كلما قل رأس المال الأجنبي الوافد، قل احتمال مساهمة الأفكار والتقنيات المبتكرة في عملية التنمية.
قد يعني تبني هذا المنطق أن القطاع الخاص في الكويت قد لا يقدر على المنافسة بما يكفي في السوق العالمية. وقد يفسر هذا، إلى حد ما، سبب تفضيل شباب البلد للعمل في القطاع العام بدلًا من القطاع الخاص أو افتقار العديد من الشباب في البلاد إلى روح ريادة الأعمال مع مراعاة الابتكار.
ثالثاً، من المحتمل أن تكون معظم هذه المشكلات المجتمعية والتحديات المستمرة المحيطة بتنويع الاقتصاد الكويتي مرتبطة و / أو جزءً لا يتجزأ من نظام الرفاه الريعي في البلاد. يبدو أن نظام الرفاه الريعي في الكويت مقيد باعتماد المسار (على سبيل المثال، نموذج النمو الخارجي القائم على النفط والمعتمد على المعرفة)، مما يعني أن التحول المجتمعي الذي يبتعد عن التركيز الحصري على مثل هذا النموذج من النمو التقليدي سيواجه على الأرجح مقاومة قوية للتغيير. مع وضع هذا في الاعتبار، لا يمكن إعادة هيكلة نظام الرفاه الريعي على المدى القصير أو المتوسط.
وإن النبأ الإيجابي هو أن خطة التنمية الوطنية الكويتية لسنة 2020-2025 قد طُبقت بالفعل. ومع أخذ هذا في الاعتبار، من المحتمل أن يتم تحديد نوع من العمليات التحويلية ولن يكون خارجيًا، ولكن بالأحرى داخليًا. وفي العقود القليلة القادمة، سيتشكل الاقتصاد الكويتي إلى حد كبير باستراتيجيات التخطيط التنموي لدمج، و/ أو ترتيب أولويات و/ أو تعاقب تدخلات السياسة بين الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة (الاجتماعية والاقتصادية والبيئية).
لذلك، دعونا نبدأ بالتغيير التدريجي، وتبنى حقبة التحول الرقمي التي يقترب بدأها، وتصور جمعي للمجتمع الكويتي مدعومًا بالمبادئ الأساسية المنصوص عليها في رؤية الدولة 2035.