قبل 65 يوما من إجراء الانتخابات التشريعية التي تجرى وسط حالة من اللغط السياسي بشأن قانون تنظيمها الذي يتجه الرئيس قيس سعيد إلى تعديله، حذرت تقارير من أن الشارع التونسي يشهد أزمات معيشية بسبب الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية الرئيسية ونقصها خلال الأسابيع الماضية، وهو ما يهدد بتحول السخط العام الشديد في الدولة التي اطلقت ما يعرف بـ «الربيع العربي» إلى اضطرابات أكبر.
وواصل سائقو السيارات المحبطون الوقوف في طوابير طويلة خارج محطات البنزين التونسية، أمس، حتى بعد أن قالت وزيرة الطاقة إن النقص سينتهي بتسلم شحنة جديد من الوقود أمس الأول.
وبالقرب من محطات الوقود في العاصمة، أطلق السائقون أبواق السيارات تعبيراً عن غضبهم، وأغلقت طوابير السيارات المنتظرة الممرات المرورية، مع ازدحام العربات في الأماكن المحيطة.
وفي عدد من محطات الوقود، كان يُسمح للسيارات بتعبئة 13 لترا فقط. وفي بعض الحالات، كان عمال محطات الوقود يوزعون البنزين من الزجاجات البلاستيكية لتخفيف الازدحام في المضخات.
ووصف محمد ناجي الذي كان ينتظر لمدة ساعة ونصف في منطقة أريانة في تونس العاصمة الأزمة بالقول: «لقد أصبحنا مثل اللاجئين في بلدنا».
وذكرت زينة وهي امرأة تقف في طابور طويل بأريانة أنه «كابوس نعيشه كل يوم. لم أعد أثق بالدولة. إنها مفلسة، لكنهم في السلطة يواصلون إخبارنا بأن كل شيء متوفر».
وبدأ الوقود في العديد من محطات الوقود ينفد خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي مع تباطؤ الواردات وتراجع الإمدادات الوطنية، فيما تحدثت أوساط نقابية عن أن احتياطي تونس من المحروقات يكفي لأسبوع واحد بعد أن كانت المعدلات في حدود ستين يوماً سابقاً.
وتواجه تونس بالفعل نقصاً في سلع غذائية مدعومة، إذ تسبب نقص المواد الأساسية وارتفاع الأسعار في احتجاج، سبتمبر الماضي، بمنطقة دوار هيشر الفقيرة بالعاصمة، في الوقت الذي تسعى الحكومة إلى برنامج إنقاذ مالي لدفع الديون وتمويل أوجه إنفاق الدولة. ويختفي السكر والزيت النباتي والأرز، وحتى المياه المعبأة، بشكل دوري من أرفف المتاجر الكبرى ومحال البقالة.
ويقف التونسيون في صفوف ساعات من أجل الحصول على هذه الضروريات الغذائية التي تدعمها الحكومة منذ فترة طويلة، والتي أصبحت الآن متوفرة بشكل متزايد في حصص الإعاشة فقط.
وفي بعض الأحيان، تنشب مشاجرات بين المواطنين في طوابير أسواق المواد الغذائية، كما وقعت اشتباكات متفرقة مع قوات الشرطة بسبب ارتفاع الأسعار ونقص السلع بجميع أنحاء البلاد.
وفي إحدى ضواحي العاصمة، انتحر بائع فواكه متجول بعد أن صادرت الشرطة أخيراً الميزان الذي كان يستخدمه لكيل بضاعته.
وسلط الحادث الضوء على حالة الإحباط المتزايدة، كما أحيا ذكريات انتحار بائع الفاكهة، محمد البوعزيزي، عام 2010، وهو ما أشعل الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة بزين العابدين بن علي، وأثارت انتفاضات مماثلة في جميع أنحاء العالم العربي.
وفي وقت سابق، ألقى الرئيس سعيد، الذي انتقل للحكم بمراسيم بعد تجميد عمل البرلمان العام الماضي وتوسيع سلطاته بدستور جديد، باللوم على المضاربين والحرب في أوكرانيا في نقص السلع، لكن «اتحاد الشغل» رفض هذا السبب وقال إن «على السلطات مصارحة الشعب بحقيقة الوضع المالي الحرج والكف عن تزييف الحقائق». وأرجع «اتحاد الشغل» سببب الأزمة إلى شح السيولة والأزمة المالية التي تسببت في نقص ورادات العديد من السلع الحيوية.
وتأمل تونس في القريب العاجل إبرام اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي لبرنامج إنقاذ يمكن أن يوفر مليارات الدولارات من الدعم الثنائي من دول أخرى.
ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان بإمكانها المضي قدماً في الإصلاحات التي يريدها صندوق النقد الدولي، بما في ذلك خفض الدعم على سلع غذائية في ظل معارضة قوية من «اتحاد الشغل».