عشية الذكرى الحادية والثلاثين لتحرير دولة الكويت من الغزو العراقي التي تصادف غدا السبت يستذكر أهل الكويت بكل فخر وإجلال تضحيات الأبطال والجرحى والشهداء الأبرار الذين أبوا إلا أن تعود بلادهم حرة أبية مسجلين بوحدتهم الوطنية وتمسكهم بأرضهم ملحمة خالدة على صفحات التاريخ.
ورغم القسوة والمرارة اللتين خلفتهما محنة الغزو على المستويات المحلية والعربية والدولية فإن أبناء الكويت سطروا أروع معاني الوفاء والتضحية رافضين هذا العدوان السافر ومؤكدين وقوفهم مع قيادتهم الشرعية وعلى رأسها أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه للدفاع عن سيادة وطنهم وحريته.
وحينها ورغم كل التحديات بدأ الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله العمل المتواصل والتخطيط الهادف والمتزن وبذل الجهود والتحركات الحثيثة لتحرير الوطن واستعادة حريته إذ قاد جميع الجهود لحشد التأييد الدولي لدعم الحق الكويتي في المنابر الدولية وطرد المحتل الغاصب وتحرير البلاد.
ونستذكر هنا كلماته الخالدة رحمه الله التي ألقاها على منبر الأمم المتحدة حيث خاطب العالم قائلا “لقد جئت اليوم حاملا رسالة شعب أحب السلام وعمل من أجله ومد يد العون لكل من استحقها وسعى للخير والصلح بين من تنازعوا وتعرض أمنه واستقراره ليد العبث إيمانا منه برسالة نبيلة أمرنا بها ديننا الإسلامي وتحثنا عليها المواثيق والعهود وتلزمنا بها الأخلاق”.
وأضاف “جئتكم برسالة شعب كانت أرضه بالأمس القريب منارة للتعايش السلمي والإخاء بين الأمم وكانت داره ملتقى الشعوب الآمنة التي لا تنشد سوى العيش الكريم والعمل وها هو اليوم بين شريد هائم يحتضن الأمل في مأواه وبين سجين ومناضل يرفض بدمه وروحه أن يستسلم ويستكين للاحتلال مهما بلغ عنفوانه وبطشه”.
وبالفعل أتى الالتفاف العالمي حول هذا القائد وقضية بلده إذ سارعت دول مجلس التعاون الخليجي منذ الساعات الأولى بالتحرك من منطلق الروابط الأخوية ووحدة المصير المشترك إذ مثلت دول المجلس نواة التحرك السياسي والدبلوماسي الرافض للعدوان ونتائجه والمطالب بالانسحاب بلا شروط.
وحينها عقد وزراء خارجية دول المجلس اجتماعا طارئا بالقاهرة يوم 3 أغسطس 1990 على هامش اجتماعات مجلس الجامعة العربية كما نجحت جهود دول المجلس في عقد القمة العربية الطارئة بالقاهرة في 10 الشهر ذاته سبقها اجتماعان لوزراء الخارجية العرب ووزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي 3 و4 أغسطس أيضا على التوالي.
كما كان لدول مجلس التعاون وبقية الأشقاء والأصدقاء إسهامها الفاعل في استصدار سلسلة من قرارات مجلس الأمن بدءا من القرار (660) الصادر في 3 أغسطس 1990 الذي أدان الغزو وطالب بانسحاب فوري وغير مشروط مرورا بالقرار (678) في 29 نوفمبر 1990 الذي أجاز استخدام الوسائل اللازمة لدعم وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وإعادة الأمن والسلم الدوليين في المنطقة وصولا إلى قرارات أخرى صدرت لإزالة آثار العدوان.
واضطلعت الدول الشقيقة والصديقة أيضا بدور أساسي في عملية تحرير دولة الكويت بتوظيف رصيدها السياسي والدبلوماسي وتسخير قدراتها العسكرية والمادية من أجل التحرير الذي تحقق في فبراير 1991م كما عملت بعد ذلك على المطالبة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وإزالة آثار الغزو والاحتلال.
وفي هذه الذكرى لايمكن أن ننسى كذلك جهود الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح الذي كان يتصدر أبطال التحرير وبذل جهودا جبارة في سبيل الدفاع عن الحق الكويتي.
فقد حرص الشيخ سعد رحمه الله منذ اللحظات الأولى للعدوان على الحفاظ على الشرعية الكويتية وعلى خروج الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد إلى السعودية حيث شرع في تنظيم أوضاع الحكومة الكويتية في المنفى وتأمين حياة المواطنين في الخارج والداخل ودعم المقاومة الكويتية.
كما كان للأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه الدور الكبير حينذاك في حشد التأييد الدبلوماسي العربي والدولي لدعم ومساندة الشرعية الكويتية استنادا إلى خبرته الدبلوماسية الكبيرة وقد نجحت جهوده في كسب دولة الكويت تعاطفا عالميا أثمر طرد المعتدي وتحرير البلاد.
ويستذكر الكويتيون بكل العرفان والتقدير دور خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز آل سعود الذي فتح بلاده للقيادة الكويتية وأبناء الكويت منذ اليوم الأول للغزو وقدم الدعم المادي والعسكري كما يستذكرون بتقدير دور قادة دول مجلس التعاون الذين قدموا كل أشكال الدعم المعنوي والمادي منها استضافتهم لأبناء الكويت مصرين على رفضهم لهذ العدوان السافر.
ولا يمكن نسيان موقف الرئيس الأمريكي الراحل جورج بوش الأب الذي أعلن وقوفه مع الحق الكويتي وتعهد بعودة الكويت حرة مستقلة حيث طالبت بلاده عقب الساعات الأولى للغزو العراقي للكويت بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن تم خلاله تبني القرار رقم 660 الذي طالب بانسحاب الغزاة من الكويت.
واستمر الدعم الأمريكي حتى يوم 21 يناير من عام 1991 عندما تمكن الرئيس بوش الأب من إقناع مجلس الشيوخ الأمريكي باستخدام القوة العسكرية لتحرير الكويت معلنا بدء الحرب وعودة الكويت حرة أبية.
ورغم قساوة عدوان أغسطس 1990 ومرارة ما خلفه من آثار لاسيما على صعيد الشهداء والمفقودين الكويتيين فإن دولة الكويت واستنادا إلى مساعيها الإنسانية ودورها الإقليمي الرائد الهادف إلى دعم استقرار المنطقة أطلقت مساعداتها للشعب العراقي منذ عام 1993.
وبدأت جمعية الهلال الأحمر الكويتي وبتوجيهات من الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد بإرسال مساعداتها للاجئين العراقيين في إيران منذ أبريل 1995 حرصا على الوقوف في صف الشعب العراقي في كل الأوقات بإنسانية ومحبة واحترام.
كما قدمت دولة الكويت بعد سقوط النظام العراقي البائد عام 2003 العون والإغاثة للاجئين هناك حتى أصبحت اليوم من أكبر المانحين له وتنوعت أوجه المساعدات الكويتية للعراق لتشمل مختلف المجالات والقطاعات الحيوية كما ساهمت في بناء المدارس والمراكز الصحية وأرسلت المساعدات الإغاثية والعينية بالتعاون والتنسيق مع الحكومة العراقية والمنظمات الدولية المعنية.
وتعهدت دولة الكويت في يوليو 2016 بتقديم مساعدات إنسانية للعراق بقيمة 176 مليون دولار خلال مؤتمر المانحين لدعم العراق الذي عقد برعايتها ودول أخرى في واشنطن ما لقي إشادة من مجلس الأمن الدولي بما تقدمه البلاد من دعم مستمر لتحقيق الاستقرار في العراق.
وتماشيا مع مبادئها في دعم الأشقاء وترجمة حقيقية لتسميتها من منظمة الأمم المتحدة (مركزا للعمل الإنساني) استضافت دولة الكويت في فبراير 2018 مؤتمرا دوليا لإعادة إعمار العراق وذلك بعد إعلان الحكومة العراقية تحرير مدينة الموصل مما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في يوليو 2017.
وحصل المؤتمر على تعهدات من الدول والجهات المشاركة بإسهامات قدرها 30 مليار دولار أمريكي على هيئة قروض وتسهيلات ائتمانية وتبرعات لمساعدة الشعب العراقي في تجاوز محنته لاسيما بعد معاناته الكثير من الحروب.
وجسدت الزيارة التي قام بها الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح للعراق في 19 يونيو 2019 أنبل المساعي الحميدة في الحفاظ على العلاقات الأخوية وطي الملفات العالقة بين البلدين وهو ما يستكمله سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه كخير خلف لخير سلف في الحرص والمسعى ذاتهما.