إذا كانت السياسة فن الممكن فالمستحيل مصطلح غير موجود في قاموس السياسة الكويتية بمعادلتها الذهبية القائمة على الفضيلة والاستقلال والدبلوماسية الاقتصادية والإنسانية ولا أدل على ذلك من الإجماع العالمي منقطع النظير إبان الغزو العراقي لدولة الكويت الذي تمر ذكراه الأليمة ال31 غدا الاثنين وتشكيل تحالف دولي وفق ميثاق الأمم المتحدة والحق الكويتي حتمته السياسة الكويتية الفريدة وعلاقاتها النموذجية.
وعشية ذكرى الغزو لا ننسى رجالات الكويت الذين قاموا بأدوار تاريخية ومحورية في تثبيت الحق الكويتي بالمحافل الدولية وحمل رسالة الكويت فيها وفي مقدمتهم الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح والأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله والأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح والوزير والسفير الأسبق الراحل الشيخ سعود الناصر – طيب الله ثراهم – وغيرهم من شخصيات سجلت بصمتها كل حسب موقعه في عودة الكويت إلى أهلها.
وبدءا من عام 1961 وإعلان الاستقلال انتهجت السياسة الكويتية في علاقاتها الخارجية بالأشقاء والأصدقاء على عوامل الجغرافيا والتاريخ وبهذا الشأن يرى الدكتور سليمان الشاهين في كتابه (الدبلوماسية الكويتية بين المحنة والمهنة 2001) أن المزيج بين الصحراء والبحر كان له تأثير مباشر على تكوين الخصوصية الكويتية وسمة تميزت بها ضمن إطار الأمة بمفهومها العام بما فيه من منظومات ومصفوفات سياسية.
وأكد الشاهين في كتابه أن السياسة الكويتية معلنة وواضحة وصريحة ولها وجه معروف وتبتعد عن تعدد الوجوه فلا تعلن سياسة وتقوم بسياسة أخرى وتعمل وفق متطلبات موقعها وكيانها وقدراتها الجيوبوليتكية مدعوما بالقوة الاقتصادية والملاءة المالية وتطويعها الاقتصاد ليكون في خدمة السياسة من خلال أذرعها الخيرية والاقتصادية والتنموية في العالم.
ولفت إلى فرادة تجربة الكويت الديمقراطية ضمن محيطها ورسالتها الثقافية والإنسانية التي شكلت في المجمل منظومة سياسية خارجية متكاملة تتبنى الحوار والتفاوض والسلم والانفتاح على الآخر والحضارات وتمازجها بمعنى مرت السياسة الكويتية بحقب تاريخية وحاسمة كونت شخصيتها السياسية الدولية في أواخر القرن التاسع عشر.
وفي هذا الشأن، قال المدير العام لمعهد سعود الناصر الصباح الدبلوماسي الكويتي السفير عبدالعزيز الشارخ في لقاء سابق مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن عقودا من الجهد الدبلوماسي المتواصل جعلت للكويت مصداقية استطاعت من خلالها أن تحقق هذه المكانة المتميزة في العالم.
أضاف الشارخ أن الدبلوماسية الكويتية تحظى باحترام كبير أينما وجد الدبلوماسي الكويتي في العالم لأنها قائمة على مبدأ المصداقية عبر عقود طويلة من الممارسات الكريمة والمنضبطة في المحافل الدولية سواء في الأمم المتحدة أو المنظمات أو لناحية العلاقات الناظمة بين الدول.
وذكر أن الدبلوماسية الكويتية استهدفت بالدرجة الأولى تحقيق الأمن الوطني للكويت من خلال سياسة خارجية محنكة وحكيمة وودية تنحو باتجاه التعاون بين الدول وآخر المستجدات في السياسة الخارجية الكويتية نسبيا هو التركيز على الجانب الاقتصادي في العلاقات بين دول العالم.
واستذكر مرحلة الغزو العراقي للكويت “حيث كنا نتلمس إشادة بعض الدول بالعمل الخيري والإنساني من خلال صندوق التنمية والأعمال الخيرية والتبرعات حول العالم لاسيما في إفريقيا وغيرها وكانت الدول تقف مع الحق الكويتي بناء على ما قامت به الكويت من دور إنساني حول العالم آنذاك انطلاقا من أن الكويت وقفت معهم على الدوام مما يعني وجوب رد الجميل لها والوقوف الى جانبها حتى بات العمل الخيري والإغاثي من مستجدات السياسة الخارجية الكويتية”.
وبالفعل مثلت السياسة الخارجية للكويت قوة مخملية وأشبه ما تكون بالسور الرابع لحمايتها من الأطماع ومواجهة التحديات لاسيما منها تهديدات النظام العراقي البائد ومحاولته المساس بأرضها وسيادتها تحت ادعاءات واهية.
فقبل الغزو أخذ النظام العراقي البائد يصعد حملاته الإعلامية ضد الكويت وبدا واضحا أنه كان يمهد لعدوانه على الكويت الذي لم يلبث أن وقع فعلا في الثاني من أغسطس 1990 وإثر ذلك أثارت الكويت قضيتها في المحافل الدولية والإقليمية وحشدت التأييد العالمي لها في مجلس الأمن وفي اجتماع وزراء خارجية دول عدم الانحياز الذي عقد على هامش اجتماع الدورة العامة للأمم المتحدة في الخامس من أكتوبر 1990.
وأكدت الكويت حينها أن احتلال العراق للكويت يمثل انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ حركة عدم الانحياز وطالبت أعضاء هذه المنظمة بإدانة العدوان واستمرار تأييدهم للمواقف المبدئية التي اتخذها المجتمع الدولي والمتمثلة بالالتزام والتقيد التام بقرارات مجلس الأمن تجاه العدوان العراقي ودعم جهود الكويت الرامية لتحقيق انسحاب القوات العراقية من أراضيها دون قيد أو شرط وعودة الحكومة الشرعية للبلاد ومطالبة المعتدي بدفع كل التعويضات عما سببه للبيئة الاقتصادية والاجتماعية في الكويت من دمار وخسائر وما تم نهبه من أموال.
وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة بناء على رغبة العديد من الدول في الثالث من أغسطس عام 1990 وفي نهايتها صدر القرار رقم 660 الذي دان الغزو العراقي لدولة الكويت داعيا إلى انسحاب العراق فورا ودون قيد أو شرط من الأراضي الكويتية وعودة الشرعية إلى دولة الكويت.
وأعلنت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في بيان تنديدهما بالغزو وطالبا العراق بسحب قواته فورا من الكويت كذلك أصدرت الدورة التاسعة عشرة لوزراء خارجية الدول الإسلامية خلال انعقادها بالقاهرة بيانا طالبت فيه بانسحاب القوات العراقية من الأراضي الكويتية في حين أجمع سفراء مجموعة دول عدم الانحياز خلال اجتماعهم في نيويورك على إدانة الغزو ومطالبة العراق بالانسحاب الفوري.
كما تقدمت الولايات المتحدة بمشروع قرار جديد إلى مجلس الأمن يقضي بفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية شاملة ضد العراق لإجباره على الانسحاب من الكويت دون قيد أو شروط تطبيقا لقرار مجلس الأمن الذي اتخذه عقب ساعات من الغزو.
ووافق مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة بعد تعديله وإضافة بعض البنود عليه وأصدر المجلس قراره رقم 661 في السادس من أغسطس وهو الثاني بعد الغزو العراقي للكويت وأكد تصميم المجلس على إنهاء احتلال الكويت وإعادة سيادتها وسلامتها.
واستدعت التطورات فتح الباب أمام الدول المحبة للسلام لإرسال قوات إلى المنطقة وعلى الفور جرت اتصالات بين مختلف العواصم العالمية لحشد تحالف دولي خصوصا بعدما أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا ثالثا بشأن احتلال الكويت هو القرار 662 الذي أكدت فيه الأمم المتحدة رفضها القاطع لقرار العراق بضم الكويت واعتبرته باطلا وملغى وطالب القرار جميع الدول والمنظمات الدولية والوكالات المتخصصة بعدم الاعتراف بذلك الضم.
كما بدأت طلائع قوات عربية ودولية في الوصول إلى الأراضي السعودية لتشكل في المجمل التحالف الدولي لتحرير الكويت في حين أصدر مجلس الأمن الدولي قراره الرابع الخاص بالغزو العراقي وحمل الرقم 664 وجدد تأكيده بطلان ضم الكويت إلى العراق.
وأصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 674 ضد العراق واتفقت الدول الخمس الكبرى على صيغة مشروع قرار يسمح باستخدام القوة العسكرية ضد العراق إذا لم ينسحب من الكويت.
وفي نهاية نوفمبر 1990 أصدر مجلس الأمن عدة قرارات متعلقة بالعراق أولها القرار رقم 677 الذي حذر العراق من مغبة محاولاته الرامية إلى طمس هوية الكويت وتوطين عراقيين محل المواطنين الكويتيين وأكد أهمية الاحتفاظ بالنسخ المهربة من سجل السكان في الكويت.
كما أصدر المجلس قراره رقم 678 الذي يبيح كل الوسائل الضرورية لضمان الالتزام بالقرارات السابقة وإعطاء العراق مهلة حتى 15 يناير 1991 ليسحب قواته من الكويت وإلا واجه خطر الحرب مع قوات التحالف الدولي المحتشدة ضده.
وعقب صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 678 الذي يقضي باستخدام القوة العسكرية ضد العراق تسارعت وتيرة الأحداث وفي فجر السابع عشر من يناير 1991 بدأت قوات التحالف هجومها الكبير على مواقع عسكرية واستراتيجية عراقية في الكويت والعراق تمهيدا لتحرير الكويت شملت هجوما جويا على المنشآت والقواعد العسكرية العراقية ومراكز القيادة والسيطرة والمرافق العامة والجسور ومحطات المياه والكهرباء فضلا عن 60 قاعدة عسكرية وبدأت دول التحالف الدولي تعد العدة لهجومها البري على القوات العراقية في الكويت إذ أعطى الرئيس بوش الضوء الأخضر لقائد قوات التحالف نورمان شوارزكوف لشن الهجوم البري واتخذ القرار قبيل لحظات من انتهاء المهلة التي كان الحلفاء والأمم المتحدة قد حددوها ليسحب العراق قواته من الكويت.
وفي 24 فبراير 1991 بدأت قوات التحالف الدولي هجومها البري على القوات العراقية في الكويت وقامت القوات المؤلفة من 30 دولة معززة بأحدث الآلات بمهاجمة القوات العراقية وتدميرها في الأراضي الكويتية وسرعان ما انهار الجيش العراقي تحت وطأة ضربات القوات الدولية باتجاه مدينة الكويت التي عادت إلى أهلها حرة أبية بعد 210 أيام من الاحتلال.