مهما كان ما قد تحققه رحلة حاكم ولاية كاليفورنيا الأمريكية جافين نيوسوم، الأخيرة للصين بشأن التغير المناخي، تعتبر المخاطر المالية والاقتصادية على القدر نفسه من الضخامة، وفي الكثير من الأحيان تثير قلقاً أكثر إلحاحاً بالنسبة لكاليفورنيا.
وذكرت صحيفة “لوس أنجليس تايمز”، أنه سواء كان الأمر يتعلق بالسياحة، أو التعليم، أو العقارات أو التكنولوجيا، لا توجد ولاية تستفيد من مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين أكثر من كاليفورنيا.. كما أن الخلاف العميق على المستوى الاتحادي بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم يسفر عن نتائج سيئة بالفعل.
وهذه الحقيقة توضح جزءاً من دافع نيوسوم لزيارة الصين، حيث يسعى لإعادة بناء العلاقات الاقتصادية مع الصين بعد جائحة كورونا، وربما تساعد زيارته في تخفيف موقف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المتشدد وذلك من أجل حماية مصالح ولايته.
وقد تزايد الإقبال على الذهاب لدور السينما في الصين بعد جائحة كورونا، ولكن الأفلام الأمريكية تمثل 16.6% فقط من شباك التذاكر الصيني حتى الآن هذا العام، وفقاً لجمعية الأفلام الأمريكية، وهذه تبدو أصغر حصة للأفلام الأمريكية منذ عقد.
كما أن عدد الطلاب الدوليين من الصين في الجامعات الأمريكية تراجع بنسبة 22%، العام الماضي، مقارنة بعام 2019، ومن المرجح أن ينخفض بصورة أكبر.. وعلى الرغم من أن السائحين الصينيين بدأوا مؤخراً في العودة إلى كاليفورنيا، فإنهم يمثلون ثلث العدد الذي تم تسجيله خلال عام 2019، عندما زار أكثر من 1.5 مليون صيني كاليفورنيا، وضخوا 4 مليارات دولار في اقتصاد الولاية.
ويتحدث بول أورلاندو مدير برنامج حاضنة الأعمال بجامعة جنوب كاليفورنيا، كيف أنه منذ عدة أعوام كان يتلقى استفسارات وزيارات شهرياً من مستثمرين صينيين مهتمين بالشركات الناشئة في لوس أنجليس.. ولم يتلق شيئاً في العام الأخير.
وأضاف “تراجع واضح في الاهتمام من الجانبين”، مشيراً إلى أن الشركات الأمريكية المنشأة حديثاً حذرة إزاء الحديث مع المستثمرين الصينيين أيضاً.. وأفادت مجموعة روديوم المعنية بجمع المعلومات الاقتصادية بأن الاستثمارات المباشرة الأجنبية الصينية بالنسبة للولايات المتحدة، بلغت نحو عُشر الذروة التي سجلتها خلال عام 2016.
وأشارت الصحيفة إلى أن زيارة نيوسوم للصين، التي استمرت أسبوعاً، وتضمت لقاء الرئيس الصيني شي جينبينغ، ركزت على التعاون في مجال التغير المناخي، ولكنها أيضاً كانت تهدف لتعزيز صناعات كاليفورنيا وتخفيف التأثير الكبير على الولاية.
وتلخيصاً لما قد تسفر عنه اجتماعاته، قال نيوسوم للصحافيين في الصين: “أنمنى أن يكون هناك المزيد من السياحة والمزيد من التجارة المتبادلة، والمزيد من التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي والرخاء والمزيد من السلام والتعاون، وأن يكون هناك قدراً أقل من التوتر والقلق.. نحن جميعاً نعاني من التوتر، أعتقد أننا نحتاج للحد من ذلك على نطاق واسع”.
وكانت العلاقات بين أمريكا والصين تدهورت بصورة أكبر منذ أن التقى جيري براون، سلف نيوسوم، بالرئيس الصيني مطلع يونيو (حزيران) 2017، بعد بضعة أيام من انسحاب الرئيس الأمريكي حينذاك دونالد ترامب من اتفاقية باريس للمناخ.
وتقول الصحيفة إنه منذ ذلك الحين، قام الرئيس الصيني بتشديد القواعد الصارمة وتوسيع نطاقها، وقمع المعارضة في الداخل، وتعزيز تحالفه مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين.. وفاقم التوتر بشأن تايوان والوقائع مثل منطاد التجسس الصيني فوق أمريكا، من سوء العلاقات بين الدولتين، كما أن الرئيس بايدن، الذي وصف الصين بالتهديد الوجودي، تبنى سياسات أكثر صرامة بشأن الصين مقارنة بترامب.
ولم يقم بايدن فقط بالإبقاء على رسوم التجارة التي فُرضت في عهد ترامب، ولكن قامت إدارته بإدراج المزيد من الكيانات الصينية في القائمة السوداء، وفرضت قيوداً على الصادرات من الرقائق المتقدمة للحواسب الآلية، ومؤخراً، سمحت بفرض قيود على استثمارات أمريكية معينة في التكنولوجيا الحساسة في الصين.. كما أن بايدن انتقد الصين أيضاً بشأن حقوق الإنسان، وقام بتجنيد حلفاء لتقييد طموح الرئيس الصيني الجيو سياسي، وهو ما رفضه ترامب.
وقوبلت زيارة نيوسوم للصين بالقبول، كما حظيت بالترحيب من جانب الكثيرين في كاليفورنيا، في ضوء دورها كموطن لأكثر من مليوني أمريكي من أصل صيني، وكقوة رائدة في مجال التغير المناخي.. كما سعى نيوسوم لعقد اجتماع قادة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي ” أبيك”في سان فرانسيسكو هذا الشهر، قائلاً إنه دعا الرئيس الصيني رسمياً لحضور القمة.
وبحلول نهاية الأسبوع، وردت أنباء أن بايدن وشي جينبينغ وافقا على اللقاء على هامش الاجتماع.. ويشار إلى أن أصحاب الأعمال في كاليفورنيا لم يكونوا جزءاً من الوفد الرسمي المصاحب لنيوسوم، ولكن زيارته للصين تضمنت زيارة مصنع تسلا في شنغهاي، ما يشير إلى سوق السيارات الكهربائية الرائد عالمياً في الصين والفرص، بالإضافة إلى المخاطر بالنسبة للشركات الأمريكية العاملة في الصين في مجال الطاقة المتجددة والمجالات الأخرى.
وقال نيوسوم، إن “التعاون بين المهندسين في المصانع في شنغهاي وكاليفورنيا يعود بالنفع على الدولتين، وخاصة ولاية كاليفورنيا”.. ويذكر أن شركة آبل لا تقوم فقط بإنتاج منتجاتها في الصين، ولكن تعتمد عليها في نحو 20% من إجمالي مبيعاتها، وهذه النسبة أعلى بالنسبة لبعض الشركات التكنولوجية الأخرى في كاليفورنيا، التي جاء 64% من دخلها من الصين خلال عام 2022.
وتعد العلاقات بين أمريكا والصين محفوفة بالمخاطر، كما أن الحملة الانتخابية قبل الانتخابات الرئاسية 2024 تعني احتمالية تصاعد الخطاب المناهض للصين.
ويقول ديفيد لوفينغير، الخبير بشؤون الصين في مجموعة “تي سي دبليو” لإدارة الأصول في لوس أنجليس: “من الصعب التحلي بالتفاؤل بشأن العلاقات الأمريكية – الصينية الأوسع نطاقاً.. ولكن ربما مازال بإمكان كاليفورنيا أن تنأى بنفسها عن ذلك”.