أنا كسول جدا.. أسوّف الأعمال الضرورية التي يجب عليّ القيام بها، أرى الوقت يضيع، وأتمادى في تسويفي، أقرر البدء في المذاكرة؛ وأظل أفعل أي شيء سواها حتى ينتهي يومي، أتفق مع نفسي مئات المرات، وأخذل نفسي، أتحمس في البداية جدا ثم أتراجع رويدا رويدا، أنا أفشل دوما في التغيير، وأشعر بأني أقف في مكاني، أو أرجع للخلف، والحياة والبشر من حولي يتحركون.. ماذا أفعل؟ لماذا أنا هكذا؟
لـ”الكسل” بعدان..
– الأول عميق لا ندركه بوعينا، ولا بعقلنا، وهو ما نصدقه عن أنفسنا من دون حتى أن نكتشفه، أو نسميه.
– والآخر قريب، ويمكن لكثير منا التعامل معه إيجابا أو سلبا، وهو يخص التصاقنا المزمن بمساحة أو مساحات لا نتحرك عنها، ومحاولات خروجنا منها.
البعد الأول في غالبه يعود لتكويننا النفسي الذي تأثر بالجينات الموروثة والسلوكيات المكتسبة من الوالدين ومن المناخ المحيط، فنحن لا نرث فقط من والدينا، ولكن قد نرث من العائلة الأكبر كذلك لكليهما أو أحدهما.
ونحن لا نرث فقط جينات، ولكن نرث سلوكيات أيضا، والسلوكيات التي نرثها ممن حولنا تصبح وكأنها تحولت إلى جينات من كثرة ما تعايشنا وتكيّفنا عليها، ومعها، وكذلك المناخ من حولنا.
والجينات الموروثة هنا لن تكون الكسل بحد ذاته، ولكن قد تكون ضعفا في القدرات العقلية التي تساعدنا على مزيد من المعرفة، أو ضعفا في تحمل الصعوبات، والدأب في مواجهتها وحلها… إلخ.
أما بالنسبة للسلوكيات المكتسبة من والدينا أو من دوائرنا الاجتماعية القريبة، فإن من ينشأ ويجد الوالدين، أحدهما أو كلاهما، أو من كان يمارس الدور الراعي في الصغر، يتسم بـ:
– الكسل الشديد.
– عدم احترام قيمة الإنجاز.
– الافتقار لأهداف محددة يسعى لها.
– لا يقدر معاني الحياة.
– يتبنى أفكارا محبطة، مع غياب التفاؤل والأمل.
– فقدان للذة “الاقتران” مع الحياة.
– العفوية لدرجة مبالغ فيها.
– ضعف المهارات؛ وبالذات القدرة على حل المشكلات، ووضع بدائل مختلفة.
– المرض النفسي؛ فالمكتئب، والقلق، والمضطرب لدرجة غير طبيعية لن يحمل إرادة.
والخلاصة أنه كلما كان هذا الراعي يحمل بداخله الموت النفسي؛ انتقلت هذه الحالة إلى من حوله بأشكال مختلفة؛ منها الشكل الخارجي الذي يظهر على شكل الكسل.
ونحن نتأثر أيضاً بالمناخ المحيط بنا، وخبراتنا المختلفة التي قد تحمل معاني الخزي، والفشل، والإحباط، أو القهر، إذا أجبرنا على القيام بأمور لا نحبها اضطرارا، أو كرها؛ وكل هذا يُنتج في العمق تصديقا قويا جدا وكاذبا جدا “بأنه لا فائدة”، أو كأن بداخلنا صدى لمعنى “ثم ماذا بعد؟”، أو “أنا لا أستحق النجاح”، أو “الناجحون هم بشر آخرون غيري”، أو “أنني حتى مع نجاحي لن أتمكن من المواصلة”، أو “أن غيري هم الأجدر”، وغير ذلك من تلك المعاني العميقة التي قد لا تدرك وجودها بداخلك.
أما البعد الثاني؛ فيظهر في عدم وجود دافع لعمل الشيء المهم، أو ظهور أعراض التفادي في شكل الاستغراق في أعمال جانبية غير المطلوب الأساسي، وما يتبع هذا من إحساس بالذنب، وفقدان للسلام الداخلي.
كل ما سبق هو إجابة لسؤال لماذا أنا هكذا؟
وتبقى.. إجابة ماذا أفعل؟ وأقول لك:
1. أولا وقبل أي شيء، أعط نفسك وقتا صادقا، شفافا، لتستكشف ما تصدقه في قرارة نفسك؛ ولتتمكن من معرفة حقيقة تسويفك، سواء مما ذكرته أو غيره، وركز في الحقيقة القابعة خلف تصرفاتك حتى لو بعيدة عن مساحة الكسل (واجعل هذا واجبا يوميا لك).
2. تذكر أنك بدأت تضيق، وتتألم، وتقارن نفسك بغيرك، وهذا يعطلك أكثر، وبلا أي فائدة؛ فالذكاء يتطلب غير ذلك.
3. تحتاج للبدء في تصديق الحقائق بدلا من تصديق ما عاشرته مع من حولك، أو مع نفسك؛ ﻷنك تحتاج أن تترك تلك المساحة التي تمتص منك كل محاولات الخروج منها، وقد يفيدك هنا كل ما هو يؤثر فيك بالفعل؛ كتواصل مع صديق قريب جدا؛ يشاركك، ويساعدك، أو التواصل مع متخصص نفسي بشكل فردي، أو جماعي، أو المحافظة على واجب يومي تسمع فيه ما يؤثر في تغيير أفكارك بصدق، أو تتواصل مع الطبيعة إن كانت لها قوة تأثير بداخلك، أو تتواصل مع حلم تريد تحقيقه وتؤكد عليه بداخلك برفق وأنت متسم بمزاج معتدل، أو غيره مما تراه أنت.
4. كفاك كرها للخطأ، والفشل، والضعف؛ فهذه أفكار بدائية معيقة، فالخطأ، والضعف، والفشل هي أدوات التعلم، وبدونهم لن نتعلم، ولن نتحرك.
5. الحياة ليست لونا واحدا، ولن تجعلك بمزاج واحد؛ فالحياة مليئة بالفرح، والحزن؛ بالنجاح والفشل، بالإنجاز، والتعطل؛ فلتقبل بشريتك، واسمح لنفسك باستخدام أدوات التعلم، واقبل الحياة وامتزج معها من دون أن تتعمد أو تشترط عليها أن تكون لونا واحدا.
6. أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن تغيرنا “الحقيقي”؛ يغير من طريقة عمل جيناتنا الموروثة (يغير طريقة التعبير عن هذه الجينات عبر تفاعلات معقدة تسمى ما فوق الجينية أو (Epigenitics)، ويغير من عمل خلايا المخ، ويقوى خلايا عصبية كانت ضامرة، ويُفَعل مواد كيميائية طبيعية تجعل الخلايا العصبية تتواصل فيما بينها؛ وهذا كان في الماضي أمرا مستحيل التخيل، ولكن العلم أثبت أن هذا يحدث من خلال العديد من الدراسات الحديثة.
7. عقلنا يقوم بوظائف كثيرة جدا دقيقة، ومركبة، وشديدة التعقيد، والترميز، ومن ضمن تلك الوظائف أن “يريحك”، وأن يؤجل الجهد، وكلما تنبهت لذلك؛ تمكنت من عدم الانصياع لتسويفه، أو إغراء الراحة الحالية، وكلما بدأت في إدخال الجهد رويدا رويدا تحت بند آخر غير بند “التعب/الجهد”؛ فستتمكن من المواصلة.
8. العقل يرى أن الجهد ضخم، وكبير، إذن ستحتاج لتقسيمه بلا جدال، ومهما تحمست هل نسيت أنه يريد إراحتك؟ فقسم المهام الضخمة والجهد الكبير لمهام صغيرة مستمرة، حتى لو كان الهدف مذاكرة عدة مواد؛ قسّمها إلى فصول على أن تذاكر فصلا بعد فصل في مواد متنوعة، وستكون المراجعة أسرع، وأكثر هضما وتذكرا، وحتى لو كان الهدف تنظيف المنزل كاملا؛ فإن تقسيمه لتفاصيل مثل اليوم سأنظف الأدراج فقط في تلك الحجرة، وغدا أدراج حجرة أخرى حتى تنتهي من المنزل.
9. الأهم من التقسيم هو تغذية عقلك، وبالتالي جسدك بالراحة حتى لا يفتقدها؛ فيبدأ في الإلحاح في طلب الراحة الذهنية، أو النفسية، أو الجسدية؛ فقم بعمل فواصل بسيطة بين كل مهمة وأخرى؛ احصل على 5 دقائق بين مذاكرة كل فصل على ألا تزيد المذاكرة مثلا عن ساعة، أو 10 دقائق بين الانتهاء من أدراج كل حجرة، وبمرور الوقت، سيكتشف عقلك أنك لا تتعب، وكذلك أنك تحتاج إلى مزيد من الدأب، وهنا ستبدأ في تفعيل إرادتك في اللعب بما يجعلك أكثر استمرارية؛ فتجعل مثلا المذاكرة، أو تنظيف المنزل ساعة ونصف وتستريح 15 دقيقة، وهكذا لتصل إلى منطقة فيها تبذل جهدا معقولا جدا، من دون أن تشعر بالرغبة في الهرب من المهام.
10. تحرر قدر إمكانك من البقاء وسط أصدقاء قريبين يبذلون جهدا شاقا معظم وقتهم، أو يرتاحون دوما إلا قليلا؛ حتى تتمكن من اختيارك الحر في البقاء مع من تحبهم دون التأثر الشديد بغير وعي، وهنا قياسك سيكون مدى إنجازك ورضاك عن نفسك.
11. راجع كل فترة ما قد أحرزته، ولا تقارن نفسك بأي مخلوق؛ فمقارنتك الصحية الوحيدة هي أن تقارن نفسك بنفسك أين كنت، وإلى أين ذهبت برفق، وتقدير، واحترام؛ فغضبك، ورفضك، وكرهك لن يحركك.
المصدر: صحتك