دهشة كبيرة لدى علماء فرنسيين، أثارتها معاودة ظهور فيروس قديم كان محاصرًا في التربة الصقيعية لمنطقة سيبيريا في روسيا، لأكثر من 48 ألفًا و500 عام.
فقد طرحت دراسة جديدة – قادها عالم الأحياء الدقيقة جان ماري كلافيري من “جامعة إيكس مرسيليا”، ولم يراجعها بعد زملاء علميون – احتمالاً مثيراً لقلق شديد، بأن مسببات أمراض أخرى كانت محفوظة لآلاف الأعوام تحت الجليد الكثيف، يمكن أن تعاود الانطلاق على شكل “فيروسات الزومبي”Zombie Viruses المعدية، وذلك عندما تذوب الأنهار الجليدية والأرض المتجمدة، وهي عملية تهدد أزمة المناخ بالتفاقم نتيجة ظاهرة الاحتباس الحراري.
وفي الوقت الذي قد يبدو فيه هذا الخبر وكأنه فرضية من عالم الخيال العلمي الرائع للأفلام التجارية ذات الكلفة المنخفضة، فإن التهديد الجديد للحياة البشرية على سطح الأرض هو آخر ما يحتاجه الناس حول العالم في هذه المرحلة، فما مدى الأهمية التي يجب أن نولي بها هذه الظاهرة في طريقة التعامل معها؟
الميكروب موضع الحديث – وهو أحد 13 ميكروباً تم اكتشافها في سبع عينات، وأطلق عليه اسم “فيروس باندورا يدوما” Pandoravirus Yedoma نسبة إلى “باندورا” Pandora (وهي بحسب الأساطير اليونانية أول امرأة بشرية أعطاها الإله زيوس صندوقاً يحوي جميع الشرور للبشر) – كان محاصراً لقرون عدة على عمق 16 متراً تحت قاع بحيرة في “يوكيتشي آلاس” في ياكوتيا شمال شرقي روسيا، لكنه ما زال قادراً على إصابة كائن مجهري وحيد الخلية يسمى “أكانثاميبا” Acanthamoeba كما تبين أثناء تجارب مختبرية.
ولحسن الحظ، يعرب الباحثون الذين أجروا هذه الدراسة عن ثقتهم في أن الفيروس لا يشكل أي تهديد لأي كائن حي معقد كالإنسان. وكتب فريق العالم الفرنسي كلافيري أن “الخطر البيولوجي المرتبط بإعادة إحياء فيروسات ما قبل التاريخ ’أميبا Amoeba المسببة لعدوى… يكاد لا يذكر”.
لكن في حين أن من غير المرجح أن تكون هذه السلالة المعينة خطرة، فإن احتمال ظهور أمراض أخرى هي الآن في حال سبات حيوي أو حياة خفية تعرف بـ “كريبتوبيوس” Cryptobiosis (حالة تمثيل غذائي للحياة يدخلها كائن حي نتيجة ظروف بيئية معاكسة كالجليد أو التجفف أو النقص في الأوكسيجين) يصبح داهماً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن ربع نصف الكرة الشمالي من الكوكب تقريباً يتكون من أراض متجمدة بشكل دائم.
وبما أن الاحتباس الحراري يتسبب في ذوبان الجليد القطبي بشكل تدريجي، فستطلق مواد عضوية محفوظة منذ مدة زمنية طويلة، بما فيها ثاني أكسيد الكربون والميثان، ما يسهم بشكل أكبر في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للكوكب، و(من المرجح) أيضاً عودة فيروسات نائمة أخرى تم احتباسها في عصور سابقة.
فريق العالم كلافيري كتب أيضاً في الدراسة أن “مسألة كم من الوقت يمكن أن تبقى هذه الفيروسات معديةً بمجرد تعرضها لظروف خارجية (كضوء الأشعة ما فوق البنفسجية والأوكسيجين والحرارة)، وما مدى احتمال التقائها بمضيف مناسب وإصابته في هذه الفترة، لا يزالان من المستحيل تقديرهما”.
أضاف فريق العلماء أنه “من المحتمل أن يتزايد الخطر في سياق ظاهرة الاحتباس الحراري، مع تسارع ذوبان جليد التربة الصقيعية، وتدفق مزيد من الناس على مناطق القطب الشمالي بهدف إقامة مشاريع صناعية فيها”.
إريك ديلوارت عالم الفيروسات في “جامعة كاليفورنيا” الأميركية، أيد من جهته تحذير هؤلاء العلماء عندما قال في مقابلة أجرتها معه مجلة “نيو ساينتيست” New Scientist: “إذا كان واضعو البحث يعزلون الفيروسات الحية عن التربة الصقيعية القديمة، فمن المحتمل أن تبقى أيضاً الفيروسات الثديية الأصغر والأبسط، قائمةً ومجمدةً لدهور”.
تجدر الإشارة إلى وجود سابقة أكدت إمكان استعادة فيروسات من التربة الصقيعية، فقد أفاد باحثو “جامعة ولاية أوهايو” في الولايات المتحدة في عام 2021، بأنهم اكتشفوا مادةً وراثية من 33 مرضاً في عينات جليدية مستخرجة من هضبة التيبت، يعود عمرها إلى نحو 15 ألف عام”.
بحسب صحيفة “تايمز”، فقد قضى فتى نحبه نتيجة إصابته بمرض “الجمرة الخبيثة” Anthrax في سيبيريا في عام 2016، بعد احتكاكه بجثة حيوان رنة مصابة، كشف عنها بعد موجة الحر التي أذابت الثلوج، ولم يكن يسمع عن تلك البكتيريا في المنطقة منذ عام 1941.
هذا وسجل العلماء الفرنسيون في دراستهم أنه كانت هناك أبحاث محدودة حول الفيروسات “الحية” الخاملة في التربة الصقيعية، قائلين: “يوحي ذلك على نحو خاطئ بأن مثل هذه الحوادث نادرة، وبأن ’فيروسات الزومبي‘ لا تشكل تهديداً للصحة العامة”.
وفيما كانوا واثقين من أن جهودهم لم تكشف سوى عن مقدار قليل من الأخطار، فقد كانوا أكثر قلقاً من مشروع روسي يهدف إلى العمل على استخراج “فيروسات قديمة” مباشرةً من بقايا حيوانات الماموث الصوفي ووحيد القرن والخيول التي كانت تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، لأنه ثبت أنها أصابت بعض الثدييات بالعدوى. وعلم أن هذه الدراسة ما زالت جارية في الوقت الراهن في مختبر “فكتور” Vector الكائن في مدينة نوفوسيبيرسك في منطقة سيبيريا الروسية.
وحذر فريق العالم الفرنسي جان ماري كلافيري من أن “الوضع سيكون أكثر كارثيةً في حال نشوء أمراض نباتية أو حيوانية أو بشرية ناجمة عن إحياء فيروس قديم غير معروف”.
يشار في هذا الإطار إلى أنه في حال حرر أحد تلك الفيروسات المعروفة بـ “فيروسات الزومبي” المطمورة لقرون في الجليد، وتبين أنه مضر بالبشر، فلن يكون لدينا لقاح جاهز أو دواء مضاد للفيروسات في متناولنا، لتلقيح أنفسنا ضده، كما كانت الحال عليه عندما ظهر فيروس “كوفيد – 19” في مقاطعة ووهان في الصين.
وقد يسبب حدوث وباء جديد إعادة العالم إلى حال الإغلاق مرةً أخرى، وهو احتمال لن يكون موضع ترحيب كثير من الناس، خصوصاً بعد أحداث الأعوام الثلاثة الأخيرة والجائحة التي دقت ناقوس الخطر في شأن ضرورة الأخذ في الاعتبار احتمال عودة أمراض قديمة إلى الظهور، أقله من الناحية النظرية.
ويشكل كل ذلك تذكيراً آخر – كما لو أننا في حاجة لذلك – بأنه يتوجب علينا بذل مزيد من الجهود لمعالجة أزمة تبدل المناخ، في وقت ما زلنا فيه في وضع يسمح لنا بإحداث تغيير.