أزمة قضائية أثارها قرار مجلس القضاء الأعلى في لبنان تتعلق بتعيين أو انتداب قاض ثان لاستكمال التحقيق بتفجير مرفأ بيروت، فيما يستمر القاضي طارق البيطار المحقق العدلي الأصيل في هذه القضية بعمله المجمّد منذ أشهر، بسبب دعاوى الردّ المقدمة من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر.
ومعروف أن حزب الله وحركة أمل قد شنّا هجوماً شرساً على البيطار سياسياً وإعلامياً وقضائياً، مما أدّى إلى تجميد عمله، نظراً لعدم بَتّ دعاوى الردّ أو كفّ يده عن الملف. ويتهم حزب الله وحركة أمل البيطار بأنه يعمل على تسييس التحقيق، لكنّ القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى للقضاء سيكون له تداعيات خطيرة على الواقع القضائي في لبنان.
وتؤكد مصادر قضائية أن هذا القرار سيؤسس لانهيارات متوالية في السلطة القضائية، خصوصاً أن هناك مَن يصرّ على إدخال السياسة فيها، وهذا الأمر سينعكس على الخلافات بين القضاة، خصوصاً في ظل استمرار الخلاف والتنازع السياسي على التحاصص في إقرار التشكيلات القضائية الجديدة.
وهذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها مثل هذا الإجراء في تاريخ لبنان، أن يتم تعيين محققَين عدليَّين لقضية واحدة، الأمر الذي سيخلق نزاعاً بين القاضي بيطار والقاضي الآخر الذي سيتم انتدابه، خصوصاً أن البيطار قد يتمسّك بالملف ويرفض تسليمه للقاضي الآخر، أما في حال حصلت عليه ضغوط جديدة، واضطر لتسليم الملف، فإنه قد يلجأ إلى تقديم استقالته، وفق ما تقول مصادر متابعة.
ووفق ما تشير المصادر القضائية، فإن هذا الإجراء يأتي نتيجة لتسوية سياسية يتم العمل عليها منذ فترة بين رئيس الجمهورية من جهة ورئيس مجلس النواب من جهة أخرى، فيما حزب الله هو عرّابها بالخطوط العريضة.
وتقوم هذه التسوية على تنحية البيطار وتعيين قاض آخر يعمل على إطلاق سراح الموقوفين والذين يعتبرهم رئيس الجمهورية أبرياء ومظلومين، ولا علاقة لهم بالقضية، فيما يكفّ القاضي الجديد التعقبات بحق النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر المحسوبين على حركة أمل ورئيس مجلس النواب.
وفي حال أصر المجلس الأعلى للقضاء على قراره هذا، فإن ذلك سيؤدي إلى انتصار التسويات السياسية على السلطة القضائية، مما سيعطي صورة تعكس المزيد من الانهيار والبشاعة في لبنان، وسيكون مردود ذلك سلبياً على مرأى المجتمع الدولي والدول المهتمة جداً بتحقيقات المرفأ.
هذا الأمر أيضاً سيدفع العديد من القوى السياسية والكتل النيابية إلى المطالبة بتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية، ومراجعة مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، للمطالبة بتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية، لأنه لم تعد هناك ثقة بالقضاء اللبناني.
جاء قرار المجلس الأعلى للقضاء بعد اجتماع عاصف بين رئيسه ووفد من نواب التيار الوطني الحرّ المحسوب على رئيس الجمهورية، هذا الاجتماع عقد بعد ظهر أمس الأول، وتخلله صراخ وتهديد ووعيد من نواب التيار، الذين طالبوا رئيس المجلس، سهيل عبود، بإطلاق سراح الموقوفين من بينهم المدير العام للجمارك، بدري ضاهر، وبعد ساعات قليلة من هذا الاجتماع، صدر القرار عن مجلس القضاء الأعلى، الذي لاقى اعتراضاً سياسياً ونيابياً وشعبياً من أهالي الموقوفين. وبحسب ما تقول مصادر متابعة، فإن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى «تطيير» التحقيق في تفجير المرفأ.