عندما يؤكد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في اجتماع وزراء دفاع الدول الداعمة لكييف في قاعدة “رامشتاين” بألمانيا، أن هذه “لحظة حاسمة بالنسبة لأوكرانيا وعقد حاسم للعالم بأسره”، يتأكد أن هذه الحرب الدائرة في أوروبا بعيدة عن وضع أوزارها، وتستعد للكشف عن فصول أكثر قتامة، بعدما أكدت موسكو مجدداً أن “الدول النووية الكبرى” لا تعرف الهزيمة ولا يمكن إرغامها على تسوية لا ترضاها.
المسار الذي يتجه إليه الصراع بحاجة إلى مقاربة سلمية، واللجوء السريع إلى الحوار، وتفعيل الآليات الدبلوماسية أكثر من تصعيد المواقف وضخ الأسلحة من هذا الطرف أو ذاك. ومع كل يوم يمر، يتبين أن الصراع الدائر أوسع من حدود أوكرانيا، وأعقد من أن ينتهي بحرب محتدمة، لا سيما أن العقوبات غير المسبوقة على روسيا والضغوط المتعددة، فضلاً عن أن إرسال الأسلحة والأموال الغربية إلى كييف لم يغير كثيراً في مسرح العمليات، بل الوضع أصبح فوق الاحتمال، بالنظر إلى الأزمة الإنسانية الفادحة التي طالت الملايين من الشعب الأوكراني، وتتجلى صورها في الدمار الواسع وطوابير اللاجئين وتدمير معظم منشآت الطاقة، وسيكون المشهد أكثر ترويعاً إذا توقفت المعارك في يوم ما، ليته يكون قريباً.
لم يأت اجتماع “رامشتاين” العسكري بجديد، فالتشدد الغربي مازال على حاله، وبالمقابل لا تبدي روسيا أي تراجع، داعية إلى عدم المبالغة في توقع نتائج حاسمة لتسليم دول حلف شمال الأطلسي الجانب الأوكراني أسلحة ثقيلة وطويلة المدى. وبالنتيجة يكشف واقع الحال أن معركة استنزاف شرسة جداً بين أعظم قوى عسكرية في العالم تطحن جزءاً من القارة الأوروبية، واستهلكت مئات المليارات من الدولارات المنتزعة من خطط النمو العالمي، وأثرت في اقتصادات الدول الهشة، التي بات بعضها يواجه أزمات اجتماعية ومجاعات، وهذه بعض من التأثيرات الوخيمة الآنية، بقطع النظر عن التداعيات بعيدة المدى وما قد تحمله من مساوئ على المجتمع الإنساني قاطبة.
الحديث عن “لحظة حاسمة”، في هذا التوقيت، يوقظ كوابيس مخيفة، قد يستهين بها البعض، ولكن حقيقتها أنها حاسمة للأمن الدولي، ولا تطمئن على المستقبل، طالما أن الجميع منخرط في سياق الحرب، يمنع صخبها سماع نداءات السلام والدعوات الجادة إلى انتهاج الحوار وحماية المدنيين. والخشية أن يرتكب الشرر المتطاير من المعركة خطأ لا يمكن تفاديه أو تدارك تداعياته، رغم التطمينات المتكررة من الغربيين بأنهم لا يسعون إلى مواجهة مباشرة مع روسيا.
المعركة الدائرة في أوكرانيا قاسية وصعبة وطويلة المدى. وطالما لم يكن هناك تلاق من جميع الأطراف على كلمة سواء للحوار، سيستمر هذا النزيف البشري والعسكري والسياسي والاقتصادي، وسيُلحق أضراراً غير مسبوقة بالأمن العالمي.
ورغم سوداوية المشهد، يبقى الأمل معلقاً على مبادرة قد ترى النور قريباً لتقنع الأطراف المتصارعة بحكمة الحوار في هذا الظرف. وهذا السيناريو لن يكون معجزة، بل هو الطريق الأقوم لتجنب وضع أسوأ من أي سيئ عرفه العالم من قبل.