لماذا يعيش اليابانيون هذا العمر الطويل؟..اكتشف السر !

تحظى اليابان بواحدة من أطول متوسطات العمر المتوقعة في العالم، وهي كذلك رائدة في ”متوسط العمر الصحي المتوقع“، أي عدد السنوات التي يتوقع الناس أن يمضوها في صحة جيدة في المتوسط. وبما أن النظام الغذائي يعتقد أنه يلعب دور أساسي في صحة السكان وطول عمرهم، قام الباحثون على مستوى العالم بدراسة فوائد النظام الغذائي الياباني منذ وقت طويل.

ولكن ما هو النظام الغذائي الياباني بالضبط؟ فلا يقوم اليابانيون بالاعتماد بالأساس في أكلهم على السوشي، أو التنبورا أو أي أطباق يابانية أخرى شهيرة. بل لقد تغيرت عاداتهم الغذائية على مر السنين. وقمنا في إطار بحثنا باستخدام الاستبيانات القومية لتكوين قوائم طعام أسبوعية تمثل النظام الغذائي على مر العديد من الأوقات خلال نصف القرن الماضي. وفي التالي سنلقي الضوء على المقارنة بين الآثار الصحية لتلك القوائم.

الياباني أمام الأمريكي

في البداية، قمنا بأجراء تجارب على فئران معملية للمقارنة بين الأثر الصحي بين النظام الغذائي الياباني التقليدي في أواخر تسعينات القرن الماضي والنظام الأمريكي لنفس الفترة بالتقريب. وبناء على نتائج استقصاء الصحة والغذاء القومي الياباني عام 1999، ودراسة مقارنة أجريت في الولايات المتحدة عام 1996، كونّا قائمتي طعام أسبوعيتين، واحدة يابانية والأخرى أمريكية (كل منها مكونة من 21 وجبة)، تحت رقابة متخصص معتمد في الأنظمة الغذائية. ثم قمنا بتحضير أطباق القوائم، وقمنا بالتجميد بالتجفيف ثم أطعمناهم لمجموعتين مختلفتين من الفئران. وفي النهاية قمنا بمقارنة النتيجة مع مراعاة العديد من المؤشرات الصحية.

وبعد ثلاث أسابيع، أبدت المجموعة التي تغذت على النظام الياباني مظاهر جينية زائدة مرتبطة بتمثيل غذائي أفضل للطاقة، السكر والدهون ومظاهر أقل للجينات المرتبطة بالتوتر. وكان لدى المجموعة التي تغذت وفق النظام الغذائي الياباني دهون باطنية أقل، أي الدهون المخزنة في التجويف البطني، ومستويات أقل من دهون الدم. ومن المدهش، أن التوازن بين الكربوهيدرات، الدهون والبروتينات كان مماثل جدًا في كل النظامين. ويبدو أن الفروق في نتائج الاختبار يرجع إلى اختلافات كيفية، مثل إن كانت الكربوهيدرات تأتي من القمح أو الأرز، أو إن كان البروتين يأتي بالأساس من السمك وفول الصويا، أو من لحوم الأبقار والخنازير.

انهيار النظام الغذائي الياباني

تغير النظام الغذائي الياباني مع الوقت، ويعتقد الكثيرون أن انتشار المأكولات الغربية وتساهم عادات الغذاء بين اليابانيين في زيادة الأمراض المرتبطة بنمط الحياة مثل تصلب الشرايين (تكون صفائح دهنية داخل الشرايين) والسكر. ولكن المجهودات قليلة لحصر الآثار الناتجة عن تغير النظام الغذائي الياباني. فهل يمكننا استخدام علوم الغذاء للتعرف على الفترة التي كان فيها النظام الغذائي الياباني في أفضل حالاته؟

وبتطبيق نفس الطريقة المشروحة بأعلى، أنتجنا قوائم طعام أسبوعية ممثلة للأنظمة الغذائية التي كانت قائمة في أعوام 2005، 1990، 1975، و1960. فقمنا بتجميد وجبات بالتجفيف وقدمناها لمجموعة أخرى من الفئران للتغذي عليها طوال فترة 8 أشهر لتحديد الآثار المرتبطة بالنظام الغذائي على أمراض نمط الحياة، الشيخوخة، وصيانة الصحة.

وبالمقارنة مع مجموعة 2005، كانت مجموعات 1975 و1990 لديها دهون باطنية أقل وميل أقل للسمنة. وحظت مجموعة النظام الغذائي لعام 1975، بأقل مخاطر للإصابة بالسكري ودهون الكبد. وأظهر تحليلنا للجينات، وجود تكسير نشط نسبيًا للدهون وتكسير فائق للأحماض الدهنية في مجموعة 1975، والتي في الأغلب حصلت على أقل تراكم للدهون الباطنية ودهون الكبد.

ومن حيث المحتوى، كان النظام الغذائي لعام 1975، هو الأكثر احتواء على الخضروات، الفواكه، أعشاب البحر، وفواكه البحر، والتوابل، والبهارات من الثلاث أنظمة الأخرى. وأحتوى أيضًا على تنوع أكبر من المكونات. هذا بينما كان استهلاك العصائر والمشروبات المحلاة أقل نسبيًا.

الوقاية من الأمراض المصاحبة للشيخوخة

تابعنا الأثر المقارن بين هذه الأنظمة الغذائية على طول العمر والشيخوخة باستخدام فئران تم تحفيز أعراض الشيخوخة بها، والمستخدمة على نطاق واسع كنموذج لدراسة الأمراض المرتبطة بالشيخوخة لدى البشر.

وفي الأسبوع 24، كان هناك فارق قليل يميز بين المجموعات وفقًا للشيخوخة البدنية، ولكن بعد 48 أسبوع كانت العجز أوضح في مجموعة 2005 عن مجموعات 1990 و1975. فقد تطورت الشيخوخة بشكل أقل في مجموعة 1975.

وبالمثل، أبدت مجموعات الفئران في الأسبوع 24، فرق أقل فيما يخص التعلم والذاكرة، ولكن في الأسبوع 48، أظهرت مجموعة 1975 فقدان أقل لقدرات الذاكرة والتعلم عن مجموعة 2005. وحظت مجموعات 1975 و1990 متوسطات أعمار أطول عن مجموعة 2005، وأبدت مجموعة 1975 أداء جيد فيما يخص طول العمر.

ودعمت نتائج تلك التجارب بشكل قوي فرضية أن الأنظمة الغذائية اليابانية لأعوام 1990 و1975، كانت أصح للفئران عن مثيلاتها الخاصة بعام 2005. ولكن هل ينطبق الأمر على البشر كذلك؟ وهكذا قمنا بدراسة على البشر بعد الحصول على تصريح من لجنة أخلاقيات البحث بجامعة توهوكو.

بكتيريا الأمعاء والشيخوخة

في أول تجاربنا، كونا مجموعة من الأفراد متوسطي السمنة في الفئة العمرية بين 20 و70 عامًا وقسمناهم إلى مجموعتين، ثم جعلنا كلتا المجموعتين تلتزمان بنظام غذائي محدد طوال 28 يومًا (3 وجبات في اليوم). وتناولت المجموعة الأولى وجبات قائمة على النظام الغذائي الياباني المعاصر، بينما التزمت المجموعة الثانية بنظام غذائي لعام 1975. وفي نهاية التجربة بلغ مؤشر كتلة الجسم والوزن لأعضاء مجموعة عام 1975، قد انخفضا بشكل كبير، وكذلك محيط الخصر. وانخفضت أيضًا مستويات LDL (أو الكوليسترول الضار)، بينما ارتفعت مستويات HDL (أو الكوليسترول الجيد). وانخفضت كذلك معدلات هيموغلوبين A1C (المستخدمة لتشخيص ومراقبة السكري والأعراض السابقة له).

ثم قمنا بعمل تجارب غذائية مماثلة على الأفراد الغير مصابي بالسمنة في الفئة العمرية بين 20 و30 عامًا. وفي هذه الحالة، قمنا أيضًا بجعل هؤلاء الأفراد يقومون بساعة أو أكثر من التمرين المكثف باعتدال ثلاث أيام أسبوعيًا طوال مدة الاختبار. وأظهرت قياسات قبل وبعد الاختبار انخفاض معدلات التوتر وزيادة اللياقة بين مجموعة النظام الغذائي لعام 1975. أما التغيرات التي وجدت في بكتيريا أمعاء مجموعة 1975، تضمنت كمية أقل من للبكتيريا التي تكون عادة مرتبطة بأمراض نمط الحياة عالية المخاطر، مما يشير إلى الفوائد الصحية لنظام 1975 الغذائي الياباني وارتباطه ببكتيريا الأمعاء وتمثيلها الغذائي.

وباختصار، فإن بحثنا حتى اليوم يساند فرضية كون النظام الغذائي لعام 1975، يتفوق على النمط الغذائي التقليدي لليابان في وقتنا الحاضر فيما يتعلق بالصحة وطول العمر.

ماذا يميز النظام الغذائي الياباني لعام 1975 عن النظام الغربي الحالي؟ أعتقد أن قوته تكمن في الخصائص التالية.

التنوع: تتضمن القائمة اليومية عدد كبير نسبيًا من الأطباق الصغيرة (عادة ثلاثة على الأقل، بالإضافة إلى الحساء والأرز).

طريقة الطهي: كانت أكثر ثلاث طرق طهي استخدامًا هي الطهي على نار هادئة، بالبخار، والطعام النيء، تلتها طرق التحضير بالغلي والشوي. وكان التحمير والقلي أقل شيوعًا. والطهي تحت حرارة عالية، كما في التحمير في الزيت، قد يسبب تكسر العناصر الغذائية. على سبيل المثال، تعد الأسماك الدهنية مثل الماكريل (أجي باليابانية)، غنية بأحماض أوميغا-3 الدهنية الصحية بالإضافة إلى EPA وDHA. وفي المقابل توفر طرق الطهي بالتحمير 1/10 فقط من EPA وDHA مقارنة بالساشيمي.

المكونات: كان النظام الغذائي لعام 1975 غني بمنتجات فول الصويا، فواكه البحر، الدرنات، الخضروات الخضراء والصفراء (بما فيها المخللات)، الفواكه، أعشاب البحر، الفطر، والشاي الأخضر. وكان البيض، منتجات الألبان واللحوم تستخدم كذلك، ولكن باعتدال.

البهارات: كان الاستخدام الماهر للبهارات المخمرة (صوص الصويا، الميسو، الخل، الميرين، وخمر الساكي)، مع مرق داشي يساعد على خلق مذاق مرضي دون استخدام الملح والسكر بشكل كبير.

كيف أثرت التغيرات الأخيرة في النظام الغذائي الياباني على متوسطات العمر المتوقعة؟

إن الفئة العمرية بين السكان اليابانيين التي دفعت متوسط العمر المتوقع لليابانيين لمستويات قياسية هي 60 عامًا وما فوق، وهي الفئة التي لازالت محافظة على النظام الغذائي لعام 1975 في منتصف العمر، وهو الفترة العمرية التي يكون فيها البالغين أكثر عرضة للأمراض المرتبطة بنمط الحياة. وقد يتساءل البعض عن مدى استمرار الاتجاه نحو طول العمر الصحي، خاصة مع وجود عادات غذائية غربية بين السكان في الفئات العمرية بين 20 و40 غامًا. وفي الحقيقة، أصبحت معدلات الإصابة بمرض السكري والأمراض الأخرى المرتبطة بنمط الحياة في تزايد مستمر من عام لآخر بين اليابانيين. وفي المقابل، إن كنا نستطيع القيام بتصحيح مسار فوري واستعادة الفوائد الصحية للنظام الغذائي الياباني لعام 1975، قد يأتي اليوم الذي يستطيع فيه أغلب الناس العيش حتى مئة عام.

Exit mobile version