أصبح الميلاتونين مكملا شائعا بين الذين يعانون من قلة النوم. لكن الفترة الأخيرة شهدت تصاعدا كبيرا في حالات الإفراط في استعماله. فما هو الضرر الذي يمكن أن يسببه الإفراط في تناوله؟
أتحدث عن الذين يستعملون الهاتف الذكي وهم على سرير النوم. فمن تمرير الصفحات لتتبع أخر الأخبار وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي ليلا، فإن الضوء الأزرق المنبعث من الهاتف لا يكون بعيدا عنهم.
وتؤكد الدراسات أن النظر إلى شاشة الهاتف الذكي لفترات طويلة على الفراش له أثر مدمر على النوم. والسبب يعود إلى الميلاتونين، وهو هرمون ينتج في الغدة الصنوبرية في الدماغ. ويؤدي الميلاتونين دورا أساسيا في تنظيم دورات النوم واليقظة في الجسم. ويوصف أحيانا “بهرمون الظلام”، لأن مستوياته تنخفض أثناء النهار وترتفع بحلول الظلام.
وكلما زادت كمية الضوء وقت النوم، على غرار الضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة الإلكترونية، يضعف إنتاج الميلاتونين، ويجعل النوم صعب المنال. ولهذا السبب فإن واحدا من ثلاثة من الأمريكيين البالغين لا يحصلون على 7 أو 8 ساعات من النوم التي يحتاجها أغلب الناس.
ولا غرابة إذا أن يلجأ ملايين الناس إلى مكمل الميلاتونين للمساعدة في التغلب على الأرق وصعوبة النوم بعد العمل في المناوبة الليلية. وإذا كان الميلاتونين يخضع للوصفة الطبية في بريطانيا، فإنه يباع من الصيدلية مباشرة في الولايات المتحدة. وتجده في الرفوف مع المكملات الغذائية والفيتامينات.
وتعطى للأطفال في سن مبكر أحيانا علكات فيها الميلاتونين لمساعدتهم على النوم ليلا.
لكن هناك قلق بين الأطباء من أضرار محتملة جراء استعمال الميلاتونين بهذا الشكل.
وخلال تفشي فيروس كورونا انتبه طبيب طوارئ الأطفال، في مستشفى بوستون، مايكل توس، إلى اتجاه مقلق يتمثل في تزايد عدد الأطفال المحالين على المستشفى بسبب الإفراط في تناول الميلاتونين، بشكل جنوني.
وقال الدكتور توس لبي بي سي: “استقبلنا أطفالا ابتلعوا الميلاتونين بالخطأ، ومراهقين أخذوا الميلاتونين بغرض إيذاء أنفسهم”.
وكشفت دراسة شارك توس في إعدادها في 2022 أن عدد الاتصالات بشأن الإفراط في تناول جرعة زائدة من الميلاتونين ارتفع بنسبة 530 في المئة بين 2021 و2022. وفي عام 2020 تلقت هيئات مكافحة السموم اتصالات بشأن تسمم الأطفال بجرعات زائدة من الميلاتونين أكثر من أي مادة أخرى.
وتأكدت هذه النتائج في دراسة لاحقة في 2023 وجدت أن عدد الأطفال المحالين على الطوارئ في مستشفيات الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 420 في المئة خلال عقد من الزمن.
ويقول توس إنه “من المرجح أن يكون ارتفاع نسبة التسمم بسبب تزايد استعمال الميلاتونين”.
ويضيف: “فقد ارتفعت مبيعات الميلاتونين في السنوات الأخيرة، مثلما ارتفع استعمال الميلاتونين الخاص بالأطفال، الذين يتسممون بما في محيطهم. وعليه فإن توافر الميلاتونين بكثرة يؤدي إلى ارتفاع نسبة التسمم”.
تجدر الإشارة إلى أن الأطفال المشمولين بالدراستين لم يكونوا يعانون من أي أعراض. وحتى لو كانت هناك أعراض فإنها بسيطة، مثل ألم في المعدة أو النعاس.
لكن الدراسة التي شملت 260,435 حالة تناول للميلاتونين، أشارت إلى أن 300 طفل أدخلوا العناية المركزة، و5 وضعوا في التنفس الاصطناعي، واثنان منهم فارقوا الحياة.
وارتبط تناول الميلاتونين بحالات وفاة بين الأطفال أيضا. وذكرت دراسة في 2019 حالتين، واحدة لطفل عمره 9 أشهر، وأخرى لطفل عمره 13 شهرا، وجدا دون حراك. وكشف تحليل الدم مستويات عالية من الميلاتونين في الحالتين. ووجد الملاتونين في رضيع ذي 13 شهرا. لكن في الحالتين كانت هناك عوامل أخرى، قد تكون ساهمت في الوفاة. فالرضيع الأول وجد نائما مع أخيه الأكبر منه، أما الثاني فقد ترك في غرفة الحرارة فيها عالية، وهذه من عوامل متلازمة موت الرضع المفاجئ.
وهناك تقارير عن آثار ضارة للميلاتونين على البالغين أيضا. فقد أشارت دراسة أجريت في مايو/أيار من هذا العام إلى موت امرأة عمرها 21 عاما بسبب تناول جرعة زائدة من الميلاتونين وديفينهيدرامين، وهو عقار يباع دون وصفة طبية لعلاج الحساسية والأرق وأعراض الزكام العام. واصيب مراهق آخر بهبوط في ضغط الدم، بعدما حاول أخذ جرعة زائدة من الميلاتونين.
لكن يمكن أن تكون هذه الوفايات والأعراض الضارة سبهها ليس الميلاتونين، وإنما ظروف صحية غير معروفة لا علاقة لها بالميلاتونين. والمشكلة أن الميلاتونين لا يصنف على أنه مكمل، فهو لا يخضع لرقابة هيئة الأدوية والأغذية. ولم يخضع لتجارب سريرية دقيقة، وبالتالي لا نعرف تأثير الهرمون على الجسم. ولا نعرف كيف يتفاعل مع غيره من الأدوية والمكونات.
ويصف البروفيسور، ديفيد ري، أستاذ علم الغدد الصماء، ومدير معهد السير جول ثورن للأعصاب وتنظيم النوم في جامعة أوكسفورد، وضع استعمال الميلاتونين بأنه “فوضى عارمة”.
ويقول: “لقد أجرى الناس دراسات، واشتروا هذه المنتجات، وقاسوا كمية الميلاتونين فيها، فلم يجدوا في أي حالة منها ما يعكس الموجود على العلبة”.
لا تعرف الآلية التي تجعل الميلاتونين يؤدي إلى هذه الوفيات، والأعراض الضارة. كشفت الدراسات التي أجريت على الفئران والجرذان أن الميلاتونين له أثر مسمم إذا تم تناوله بجرعات كبيرة (أكثر من 400 ملغم\كغم)، لكن هذه الكمية أكبر بعشرات الآلاف من المرات من الكمية الموصوفة لعلاج اضطرابات النوم، التي تتراوح بين 2 و10 ملغم.
ما نعرفه هو أن الجسم يحتوي على مستقبلات الميلاتونين في الجهاز التناسلي والقلب والأوعية الدموية، وجهاز المناعة. لكن تأثيره خارج الدماغ لا يعرف عنه الشيء الكثير. والملايين من الناس يتناولون الميلاتونين يوميا دون آثار ضارة معروفة.
ويقول الأستاذ سانفورد أورباخ، مديرمركز اضطرابات النوم في بوسطن: “جميع الأدوية لها أعراض جانبية. ومقارنة بأدوية أخرى توصف لعلاج اضطرابات النوم، فهو غير مضر”.
ويضيف: “لكن القلق يتعلق بما هو غير معروف. إذا أعطيته لطفل في سن النمو، ما هو تأثيره عليه بعد 10 أعوام؟ هذا ما لا نعرفه. ولا نعرف أيضا ما هي الكمية المفرطة من الميلاتونين، لأن الدراسات لم تتناول هذا الجانب”.