في حكم قضائي بارز، أكدت محكمة التمييز المدنية الثالثة، برئاسة المستشار د. عبيد العجمي، أن المحاكم هي صاحبة الولاية العامة للقضاء المختص بالفصل في عامة المنازعات أيا كان نوعها وأيا كان أطرافها، ما لم يكن الاختصاص بالفصل فيها مقررا بنص خاص لجهة أخرى دون غيرها أو كانت من أعمال السيادة.
وقالت «التمييز»، في حيثيات حكمها، إن عدم ورود نص في الدستور أو القانون رقم 23 لسنة 1968 بشأن نظام قوة الشرطة والمرسوم بقانون رقم 136 لسنة 1992 بإصدار قانون المحاكمات والعقوبات العسكرية ما يخصص لمحاكم معيّنة للفصل في طلب التعويض عن الأضرار الناجمة عن القرارات الصادرة بشأن أحد أعضاء قوة الشرطة، حتى ما تعلّق منها بالقرارات الصادرة بالعقوبات الانضباطية، والتي تعد جزاءات تأديبية، مما مؤداه عدم اعتبار هذه القرارات من قبل أعمال السيادة.
المصلحة العامة
وأوضحت أنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن جهة الإدارة تستقل بتقدير مناسبة إصدار القرار الإداري من عدمه بمراعاة ظروفه دون الملابسات المحيطة به، بما لا معقّب عليها مادام كان الباعث عليه ابتغاء المصلحة العامة، ولم يثبت أن قرارها ينطوي على إساءة استعمال السلطة، وأن النص في المادة 113 من القانون 23/ 1968 بشأن نظام قوة الشرطة أجاز لوزير الداخلية أن ينيب عنه وكيل الوزارة في إصدار اللوائح والقرارات اللازمة لتنفيذه.
كما أنه من المقرر أنه وإن كان لمحكمة الموضوع سلطة تفسير القرارات والمحررات وفقا لما تراه من ظروف الواقعة وملابساتها دالّا على ما قصده محررها، ولا رقابة لمحكمة التمييز عليها في ذلك، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون تفسيرها مما تحتمله تلك العبارات، وليس فيه انحراف عن دلالتها، وأن تبيّن في حكمها أن الأسباب التي اعتنقتها والمعنى الذي أخذت به هو المعنى المقصود، وتدلل على ذلك بأسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق، وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، وأن أسباب الحكم تعتبر مشوبة بالفساد في الاستدلال إذا انطوت على عيب يمسّ سلامة الاستنباط، ويتحقق ذلك إذا استندت المحكمة في اقتناعها على أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للاقتناع بها، أو عدم فهم العناصر الواقعية التي تثبت لديها، أو وقوع تناقض بين هذه العناصر، كما هي في حالة عدم اللزوم المنطقي للنتيجة التي انتهت إليها المحكمة، بناء على تلك العناصر التي تثبت لديها.
تفويض باختصاصات الوزير
ولمّا كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن وزير الداخلية أصدر قراره رقم 188 بتاريخ 1/ 3/ 2006 بتفويض الطاعن بصفته في بعض اختصاصاته، والذي لا يزال ساريا، وخلت الأوراق مما يفيد إلغاءه، وكان من بينها ما ورد في البند الرابع من المادة الأولى الاختصاص بتسريح ضباط الصف والأفراد والخفراء للصالح العام وإنهاء خدماتهم، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر، وانتهى إلى أن القرار المطعون عليه رقم 2916/ 2019 بتسريح المطعون ضده قد صدر من غير مختص وبطلان التفويض الصادر للطاعن بصفته لتنازل الوزير عن اختصاصاته بشكل دائم، مما لا يجوز بحال من الأحوال ورتّب على ذلك قضاءه بإلغاء قرار التسريح المشار إليه، فإنه يكون معيبا بما يوجب تمييزه.
وحيث إن الاستئناف رقم 1019 لسنة 2020 تجاري مدني حكومة صالح للفصل فيه، ولما تقدّم وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مفاد نص المادتين الأولى والثانية من المرسوم بقانون رقم ۲۳ لسنة ۱۹۹۰ بشأن قانون تنظيم القضاء، أن المحاكم هي صاحبة الولاية العامة القضاء، فتختص بالفصل في كل المنازعات أيا كان نوعها وأيا كان أطرافها، ما لم يكن الاختصاص بالفصل فيها مقررا بنص خاص لجهة أخرى دون غيرها، أو كانت من أعمال السيادة.
جزاءات تأديبية
ومن المقرر أن عدم ورود نص في الدستور أو القانون رقم 23 لسنة 1968 بشأن نظام قوة الشرطة والمرسوم بقانون 136 لسنة 1992 بإصدار قانون المحاكمات والعقوبات العسكرية ما يخصص محاكم معيّنة للفصل في طلب التعويض عن الأضرار الناجمة عن القرارات الصادرة بشأن أحد أعضاء قوة الشرطة حتى ما تعلّق منها بالقرارات الصادرة بالعقوبات الانضباطية، والتي تعد جزاءات تأديبية، مما مؤداه عدم اعتبار هذه القرارات من قبيل أعمال السيادة.
وأنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة التعرف على ما تصدره الجهة الإدارية من أعمال أو قرارات أن تعطيها وصفها الحق، وفقا لما هو ثابت لديها من أوراق ومستندات، ولا معقّب عليها في ذلك، طالما كان استخلاصها سائغا له أصل ثابت بالأوراق، ويؤدي الى ما انتهت اليه من نتيجة، وأن نص المادة 104 من القانون رقم 23 لسنة 1968 المعدل بالقانون 31 لسنة 2016 بشأن نظام قوة الشرطة، على أنه «يسرّح عضو قوة الشرطة من الخدمة لأحد الأسباب الآتية: إذا اقتضى الصالح العام تسريحه، وأن من المقرر أيضا أن الجهة الإدارية تستقل بتقدير مناسبة إصدار قرارها وتترخص في تقدير ملاءمته ومراعاة ظروفه ووزن ملابساته المحيطة به، مادام الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة ولم يشبُه عيب إساءة استعمال السلطة، وأن رقابة القضاء الإدارية في وزن القرارات الإدارية ينبغي عند حد المشروعية أو عدمها في نطاق الرقابة القانونية، فلا يتجاوزها الى وزن ملابسات القرار، وغير ذلك مما يدخل في نطاق الملاءمة التقديرية التي تملكها جهة الإدارة، وأن عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها الذي يبرر إلغاء القرار الإداري من العيوب العقدية في السلوك الإداري، فيلزم أن تكون الإدارة قد تنكّبت معه المصلحة العامة التي يجب أن يتغيّاها القرار الإداري، وأن تكون قد أصدرته بباعث لا يمتّ لتلك المصلحة بصلة، لذلك فإن هذا العيب لا يفترض، بل يجب إقامة الدليل عليه، وأن تقدير ثبوت ذلك من عدمه هو مما تستقل محكمة الموضوع متى كان استخلاصها سائغا، كما أن الأصل أن جهة الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها، إلا حيث يُلزمها القانون بذلك، ويفترض في القرار غير المسبب أنه قام على سببه الصحيح، وعلى من يدّعي العكس إقامة الدليل على ذلك.
إخلال وظيفي
ولما كان قرار الفصل الصادر من الجهة الإدارية قد أسس على أن المستأنف ضده قد أخل بمقتضيات واجبه الوظيفي وأضرّ بسمعة جهة عمله لاستيلائه على كمية من المضبوطات من مواد مسكرة في القضية رقم 11/ 2018 والقضية رقم 13/ 2018 جنح المخدرات، وقد أحيل إلى مجلس التأديب بموجب القرار الوزاري رقم 1075/ 2018 لمحاكمته عمّا أسند إليه في القضية رقم 1266/ 2018 محاكمات، وقد استقر بيقين مجلس التأديب أن المستأنف ضده قد سلك مسلكا معيبا وأخلّ بالانضباط العام، ومن ثم عرض الأمر على الجهة المختصة التي ارتأت في حدود ما خول لها قانونا بالمادة 104 من القانون رقم 32 لسنة 1968 بشأن نظام قوة الشرطة وتعديلاته، تسريح المستأنف ضده من الخدمة للصالح العام، بموجب القرار الوزاري رقم 188/ 2006 بشأن تفويض المستأنف بصفته في بعض الاختصاصات، ومن ثم صدر القرار رقم 2916/ 2019 بتاریخ 10/ 7/ 2019 المتظلم منه بتسريحه من الخدمة.
رفض الدعوى
ولما كان هذا القرار يخضع لرقابة القضاء العادي لتقدير مدى مشروعيته، وتمتد هذه الرقابة لبحث الوقائع التي بُني عليها القرار الإداري للتحقق من مطابقته أو عدم مطابقته للقانون.
وكان البيّن للمحكمة من مطالعة سائر الأوراق وما قُدّم فيها من مستندات أن قرار التسريح الصادر من الجهة الإدارية يتناسب مع الفعل الذي أتاه المستأنف ضده، مما مؤداه أن القرار المطعون فيه قد صدر وفق صحيح القانون، الأمر الذي يتعيّن معه تأييده، وإذ خالف الحكم المستأنف هذا النظر وقضى بإلغاء القرار المطعون فيه، فإنّ المحكمة تقضي والحال كذلك بإلغائه والقضاء مجددا برفض الدعوى.