آراء

#مقالات | أسماء زرمديني .. تكتب: ” انك ما بعدت عني.. إلا لتقترب مني”

أظن أن العظيم “المنفلوطي” قد بلّغ كل شيء من خلال هذا الإقتباس من رواية “ماجدولين” ، إن الانسان بطبعه عاشق للمنوع، توّاق إلى البعيد.. مثلنا لا يرغب بالشيء إلا ٱذا أضحى محرّما عليه، حينها فقط يلاحقه و يفنى لأجله.

من قال أن البُعْدَ حل للبُعْدِ؟ من قال أن الفراق يفرض النسيان؟ من قال أن منع الوصال يعني الفصال؟ كيف ذلك و نحن عبيد التفكير؟ .

إننا لا نقدّر قيمة النّعم إلّا حينما تزول، الموظف من الطبقة المتوسطة اللذي كان يلعن مرتبه اللذي لا يكفي لتذوق اللحم الا مرّة في الأسبوع، سيشتاق لقمة الخبز إذا ما قذفت به الدنيا في دوامة الفقر و المجاعة..

الفتاة التي كانت تكره أن تراها صديقاتها بنفس الملابس لمدة يومين ستشتاق رداءا واحدا يقيها البرد إذا ما فقدتها..

ذلك الحرّ الذي يظن أنه معدوم لا يملك شيئا سيتوق لرؤية شعاع الشمس إذا ما ألقي به في زنزانة معزولة..

الوطن اللذي كنا نشتمه سيصبح “موطني، موطني” إذا ما مسّه سوء..

تلك البائسة اللتي تتذمر من اهتمامها و غيرتها ولا تأبه لها ، ستصبح الحبيبة المرغوبة إذا ما خطفت منك..

فما بالك بالنّعم التي نقدّرها و نخشى ضياعها و فجأة تزول؟ كيف لأنانيتنا و غطرستنا البشرية أن تقبل تلاشيها؟ إن البعد في مثل هذه الحالة أشبه بجرعة الدواء التي زادت من إنتشار الفيروس، أشبه بمحاولة إقلاعك عن التدخين و رغبتك الملحّة في السيجارة التي ستصبح بالنسبة لك حينها كل ما تريد، شيئا مقدسا، و احتلالا لكل تفكيرك..

إن عقلك اللذي كان يلحّ عليك في الابتعاد سيرهقك بالتفكير حين تبتعد..

لذلك لم يكن البعد عنك سوى ارهاقا زائدا لي، تعبا نفسيا و علة مستعصية.. انك ما بعدت عني إلا لتقترب مني.

الكاتبة التونسية أسماء زرمديني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى