سوسن إبراهيم: “جريمة سيبرانية”
التنمر من السلوكيات المنتشرة في جميع المجتمعات. وخاصة لو كان المجتمع تنافسيا.
ولذلك شكّل الفضاء الإلكتروني/ السايبر، فضاءا خصبا للتعبير عن الآراء بكل سهولة وبلا خوف من مواجهة او عقاب وخاصة أنه من السهل الإفلات من المحاسبة القانونية والتهرب إذا كان المتنمر مضطلع بالقرصنة وأسرار الواقع الافتراضي.
وبسبب الطفرة الإلكترونية وانتشار الإنترنت لم يعد التنمر محصورا في أروقة المنظومات الأكاديمية أو أماكن العمل التي قد تصبح بيئات طاردة للعمل بسبب السلوكيات العدوانية التي قد تواجه البعض، بل أصبحت ممارسته اكثر انتشارا وبشكل موسعا اكثر واصبح يُطال اشخاصا كثر إن كانوا شخصيات عامة، مشاهير أو أناس عاديين ذنبهم الوحيد انهم قرروا مشاركة العالم جزءا من يومياتهم او انجازاتهم او حتى صورهم الشخصية.
أن تكون مختلف اليوم يعني ان تكون شاذا عن قطيع المجتمع المتماثل وبالتالي أن تشعر بالنبذ والمضايقات لأي سبب كان، بسبب عاداتك المختلفة او شخصيتك الانزوائية او حتى لونك او المكان الذي اتيت منه، ولهو عار بحق تتحمله ثقافة مجتمع بأكمله، تتحمله لأن ممارسة كهذه مازالت مستمرة فيه وللأسف تتوارثه اجيالا وراء اجيال.
وفي هذا السياق لقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي قبل ايام بخبر تنمر تعرض له فنان شهير شارك صورة ابنتيه بحسن نية ولكن الواقع كان له كلمة اخرى فانهالت عليهما التعليقات المسيئة والوقحة وبأسلوب استفزازي لا يعبر إلا عن تفكير عنصري ومقزز، مما أثار موضوع التنمر الإلكتروني كسلوك مازال يهدد الآخرين عبر هذه الفضاءات الافتراضية.
مشكلة التنمر مشكلة عويصة ولها أسباب عدة، لا يمكن حصرها. سنذكر بعضها هنا؛ بالبداية هناك “العائلة” وما تبثه في نفس الطفل منذ ولادته من عادات وأفكار تعكس الثقافة التي تتبناها إن كانت متسامحة أو عنصرية تنظر للأخر على انه غريب وشاذ إذا ما طابق معايير معينة. فالتنشئة الاجتماعية تزرع البذور الأولى لأي طفل وتشكله ليكبر ويصبح على ما تعود ان يراه من أفراد عائلته.
فطبيعة الطفل أنه مقلد يمارس التقليد كتعبير عن بداية تعلمه للحياة وكذلك ليعكس مدى تأثره بالبيئة المحيطة به فهو يعبر عن حبه لوالديه بهذه الطريقة.
وقد تكون مشكلة التنمر بسبب تجربة خاضها الفرد مع اقرانه او مع من يكبرونه بالسن فتعرض هو نفسه للتنمر، فيحاول التحرر من ضعفه بتعريض الآخرين لنفس التجربة التي خاضها ليستشعر بقوته وليفرد عضلاته مخافة ان يواجه ما واجهه بداية الامر.
ولا ننكر ان ممارسة التنمر لا ترتبط فقط بمدى جهل المجتمع فقد نجده بأوساط راقية. إذًا المشكلة هنا مشكلة نفسية اجتماعية خطيرة تتطلب مواجهة جادة من قبل مؤسسات المجتمع بداية، وقوانين صارمة من قبل إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية/ السيبرانية ثانية. لتكون هذه القوانين جدارا حاميا يضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه التعرضّ للآخرين وجعل الفضاء السيبراني مكانا خطرا ومتمردا ينتهك خصوصيات المتصفحين.