مكافحة المعلومات المضلّلة بلقاح نفسي!

تحاول مجموعة من الباحثين في علم النفس من جامعات كامبريدج وبريستول  في بريطانيا وبيرث في أستراليا إيجاد حل للمعلومات المضللة عن طريق اللّقاح النفسي أو التحصين النفسي ضد وباء المعلومات المضللة؟

ونشر الباحثون مؤخرًا دراسة في مجلة : Science Advances بعنوان نظرية التلقيح النفسي Psychological inoculation، التي تعتمد pre-bunking، أي  الكشف الوقائي “لزيادة الوعي بواسطة مقاطع فيديو تثقيفية قصيرة”، وفق “مونت كارلو”.

وحسب الدراسة، يحسن التحصين النفسي أو التلقيح النفسي القدرة على الصمود ضد المعلومات المضللة على المنصات الاجتماعية، ويقلل الحساسية تجاه المعلومات الخاطئة عن طريق تثقيف الناس حول كيفية تعرضهم للمعلومات المضللة. أي، يحتاج الناس إلى تعليمهم كيفية اكتشاف المعلومات المزيفة لتسهيل اكتشافها في المستقبل.

كيف يمكن التلقيح النفسي ضد المعلومات المزيفة؟

قام باحثو  جامعات كامبريدج وبريستول  وبيرث بالشراكة مع يوتيوب ومختبر Jigsaw،  الذي يكافح الانتهاكات في الفضاء الرقمي التابع لشركة Alphabet (غوغل سابقا)، باختبار مفهوم  pre-bunking الكشف الوقائي عبر  ثلاث مراحل.

بداية بإنتاج 5 مقاطع فيديو قصيرة مدتها 90 ثانية تعمل على تفكيك التأثير النفسي لتقنيات التلاعب الأكثر استخداما في المعلومات المضللة: التلاعب العاطفي بواسطة اللغة، التناقض، الانقسامات الزائفة false dichotomies، المغالطات والحجج الخاطئة والهجمات الشخصية والتشكيك بمنطق العبارات، وأيضا نظرية كبش الفداء أو الضحية.

أنشئ كل مقطع فيديو مع رسالة مضللة، يتبعها فيلم رسوم متحركة يفكك عملية التلاعب المستخدمة، وينتهي الفيديو بتمرين عملي للتحقق من أن تقنية التلاعب قد تم فهمها جيدًا.

اختبرت هذه الوسيلة على مجموعتين منفصلتين؛ الأولى “في المختبر” وتضم 6000 شخص، والثانية على موقع يوتيوب مع 22000 مستخدم للإنترنت.

يبدأ الفيديو، على سبيل المثال لفهم  تقنية التلاعب العاطفي بواسطة اللغة، بمشهد فتاة صغيرة تعانق دبدوب صغير على نغمات بيانو حزينة مع تعليق صوتي، “ما ستشاهده  سيجعلك تبكي”.

يتبع هذه المقدمة شرح عن قوة العواطف “التي هي أدوات قوية للإقناع. استخدام الكلمات العاطفية، خاصة تلك التي تثير المشاعر السلبية مثل الخوف أو الغضب، يزيد من القدرة الفيروسية لمحتوى المنصات الاجتماعية”.

مثال آخر من هذه الفيديوهات لكشف مثلا “الانقسامات الزائفة” أو “الحجج الزائفة”، فيديو يصور المواجهة  بين  Anakin Skywalker و Obi-Wan Kenobi، حيث يعلن الأول لمعلمه Jedi: “إذا لم تكن معي فأنت ضدي”.

التعليق الصوتي يشرح هذه الثنائية الخاطئة، إذ يقدم عددا حصريا من الخيارات، في حين في الواقع الخيارات الأخرى ممكنة.

هل هذا الكشف الوقائي: ناجع؟

وفقًا للباحثين، زادت قدرة المشاركين على تحديد محاولات التلاعب بنسبة 5٪ بعد مشاهدة مقاطع الفيديو pre-bunking -الكشف الوقائي؛ أي إنها تحسن قدرة التعرف على تقنيات التلاعب، وبناء الثقة في اكتشاف هذه التقنيات، وزيادة قدرة الأشخاص على التمييز بين المحتوى الجدير بالثقة والمحتوى غير الجدير بالثقة.

لكن إذا كانت نتائج هذه الدراسة حول الكشف الوقائي  pre-bunking  تبدو مغرية، كثير من علماء النفس والاتصال طرحوا حولها  علامات استفهام، و بالتالي فهي تطرح  أيضا أسئلة أخلاقية: من الذي يقرر ما الخطأ ومن يقرر أن  هذه الطريقة هي للتلاعب بمشاعر المتلقي؟

تشكك Shannon McGregor، باحثة في علوم الاتصال في جامعة تشابل هيل في نورث كارولينا، بقدرة الكشف الوقائي pre-bunking في القضاء على حملات المعلومات المضللة، على سبيل المثال، من مصادر مثل المؤثرين اليمينيين المتطرفين على يوتيوب.

ففي لقاء مع موقع  The Swaddle، اعتبرت Shannon McGregor أن هذه الدراسة “تقترح لمن يهتم بمكافحة المعلومات الخاطئة على المنصات الاجتماعية، بما في ذلك يوتيوب، أن عليه إنفاق المزيد من الأموال على هذه المنصات لعرض إعلانات تهدف إلى حمايته من المعلومات المضللة”. فالنسبة لها هذا الاقتراح في الكشف الوقائي pre-bunking “لا يرضي سوى المنصات الاجتماعية لرفع مدخولها”.

كذلك يطرح Sebastian Dieguez، الباحث الفرنسي في علم النفس المعرفي، في صحيفة “لوموند” تساؤلات عدة حول نجوع مبدأ التلقيح النفسي Psychological inoculation، مشيرا إلى أن هذه الطريقة تشبه في شكلها تلك المستخدمة للتواصل والإعلام في بيئة داعمي نظريات المؤامرة، معتبرا أن هذه التجربة “مثيرة للاهتمام، وتتيح توثيق مختلف عناصر ظاهرة المعلومات المضللة، لكنها تبقى محدودة. فالمتلقي يجد نفسه في مواقف مصطنعة، وعلى علم مسبق بالمحتوى ويتعين عليه الحكم على رسائل لا تعتبر مؤذية، فهي ليست رسائل سياسية أو رسائل تثير التفرقة والانقسام”.

يبقى أن المعلومات المضللة اليوم هي سلاح فتاك يستخدم في حرب باتت اليوم هجينة لا تقتصر فقط على الصواريخ والدبابات، وإنما على تأليب الرأي العام بالتلاعب بمشاعره ونشر الانقسام والتفرقة عبر المنصات الاجتماعية.

Exit mobile version