أصدرت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية بالتعاون مع البنك الدولي، تقريرها الخاص بالمؤشر المعرفي للمؤسسات العامة في الكويت، والذي يعد الأول من نوعه على مستوى العالم ومنطقة «مينا»، والذي تستهدف من خلاله معرفة الطريقة التي تجري بها إدارة المعرفة في القطاع العام، وما إذا كانت المبادئ والممارسات التي تقوم بها ذات فاعلية وكفاءة.
التقرير الذي يعد إنجازا نوعيا لـ«التخطيط» بقيادة الأمين العام د. خالد مهدي، جاء نتيجة دراسة استقصائية أرسلت إلى أكثر من 2200 موظف عام في 20 جهة حكومية بالبلاد، واعتبر أن «المعرفة» هي النفط الجديد، وأن الاختبار الحاسم لنجاح الإصلاحات المطلوبة في الكويت سيعتمد على كيفية إدارة المعرفة وتوليدها وإنتاجها، خصوصا أن انعدام تناول هذا الموضوع وتركه دون معالجة سيزيد من العبء المالي والإداري للدولة وسيؤدي إلى قطاع عام لا يواكب التغيرات التكنولوجية والمعلوماتية التي تحدث حوله، وتضاؤل فاعلية صياغة السياسات وتنفيذها والإشراف عليها، ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تراجع الثقة في الحكومة.
وأكد أنه في الوقت الذي يتحرك فيه العالم بسرعة نحو بيئة منخفضة الكربون، فإن الكويت ستضطر إلى التوقف عن الاعتماد على ثرواتها والبدء في تكوين ثروة فوق الأرض، بالتحول الأوسع نطاقا من الاقتصاد القائم على الموارد الطبيعية إلى الاقتصاد الديناميكي القائم على المعرفة، الذي يلعب فيه القطاع العام دورا مهما جدا، عبر استغلال الفرصة لاستخلاص القيمة من المعلومات الهائلة التي يمتلكها، بما يجنب الوزارات التكاليف الإضافية.
واستنتج التقرير أن الكويت في وضع جيد يسمح لها بالتحرك نحو خلق اقتصاد قائم على المعرفة، نظرا لاستثماراتها المستمرة في إصلاح التعليم وتدريب القوى العاملة لديها والالتزام بتوفير التمويل اللازم للبدء ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وأكد التقرير أن تحسين أداء القطاع العام يتطلب تحسين إدارة المعرفة والمعلومات، كونها مفتاح التنمية، فتم وضع مؤشر يقيس إدارة الاقتصاد المعرفي للإبلاغ عن استنتاجاته إلى القطاع العام مع الأخذ في الحسبان مقولة «ما يتم قياسه يتم إنجازه»، إذ يتألف مؤشر الاقتصاد المعرفي للمؤسسات العامة من ثلاثة مكونات، وهي رأس المال البشري، ورأس المال التنظيمي، ورأس المال الشبكي.
وأشار التقرير إلى أن تراكم رأس المال والإنتاجية المتزايدة لليد العاملة لا يكفيان للحفاظ على النمو الاقتصادي طويل الأجل؛ لأنه سيخضع لتناقص العائدات، إذ يعتبر التقدم التكنولوجي المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي المستدام، كونه يعتمد على قدرة البلد على إنتاج المعرفة واستخدامها والحفاظ عليها، علاوة على ذلك، فإن قدرة الاقتصاد على إدارة المعرفة بشكل فعال تسمح باستغلال الموارد وتحسين الإنتاجية بشكل أفضل، وبالتالي تعزيز النمو بشكل متزايد والمساهمة في التنمية المستدامة.
وتضمنت نتائج التقرير حاجة الكويت إلى تحسين ممارسات الموارد البشرية في القطاع العام، خاصة فيما يتعلق بالتوظيف والتقييم والترقية، إذ إن هناك القليل من العاملين يشعرون بالتقدير للعمل الذي يقومون به، والكثير منهم لا يشعرون أن تقييم الأداء عادل ومنصف ولا يساعدهم على تحسين أدائهم، والكثير منهم يقدر فرص التدريب، خاصة تلك التي تقدم خارج البلاد، مع أن التدريب في الخارج لا يقوم في معظم الحالات على أساس الاحتياجات التدريبية، ولا يتم تقييمه بشكل صارم لضمان القيمة مقابل المال.
وأضاف التقرير أن إجراءات التوظيف الخاصة بالشركات ذات الأداء الأعلى تحدد أفضل المرشحين في حين أن برامجهم المنظمة بشكل جيد للتوظيف تساعدهم على سرعة توجيه المرشحين الناجحين ليصبحوا أعضاء منتجين في الفريق، فبرامج التوجيه الراسخة إلى جانب البروتوكولات الرامية إلى تدوير الموظفين وتسهيل التدفق الحر للمعلومات من خلال وظائف اجتماعية خارج الموقع تعمل على تشجيع نشر المعرفة.
وتحدث التقرير عن أن الكويت تفتقر إلى رأس المال البشري المحلي الكافي الذي يتمتع بالمهارات اللازمة لإدارة العديد من مؤسسات القطاع العام ونتيجة لذلك، اعتمدت اعتمادا كبيرا على خبرة ومعارف الاستشاريين والخبراء والمستشارين الأجانب. وتطرق التقرير إلى أنه «لدى الجهات الأفضل أداء إجراءات لضمان عمل المستشارين والفنيين الوافدين جنبا إلى جنب مع الكويتيين المؤهلين لمشاركة معارفهم، وهناك طرق للحصول على المعرفة قبل أن يختار الموظف مغادرة المؤسسة».
وتضمنت النتائج أن غالبية الموظفين في معظم المؤسسات بأن إدارة المعرفة مسألة ذات أولوية، بيد أن الهياكل التنظيمية والممارسات البيروقراطية الجامدة كثيرا ما تعوق التدفق الحر للمعلومات، وطبقا للمشاركين في الدراسة، فإن عدم كفاية برامج الحوافز تمثل العامل الأكثر إشكالية في معالجة المعرفة، يليها بيروقراطية سير العمل وعدم فعالية نظام التقييم وسوء أسلوب القيادة. ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد الكبير على الخبرات الأجنبية ينطوي على احتمال فقدان خبرات ومعارف قيمة بمجرد خروج هؤلاء الأفراد من البلاد عند انتهاء عملهم، وبالتالي فإن المؤسسات والهيئات المحلية تخسر في كثير من الأحيان قدرا كبيرا من المعرفة والخبرة التي كان من الممكن نقلها وتخزينها وإعادة نشرها محليا، لذلك تزداد أهمية المعرفة وإدارة المواهب في السياق الكويتي. وجاء ضمن النتائج «أن استبقاء واستقطاب العاملين الوافدين الذين يتمتعون بمهارات عالية يمثل السبيل إلى تحقيق تحول الكويت إلى اقتصاد قائم على المعرفة، إذ تقوم دول مجلس التعاون الخليجي بتشجيع سياسات عمل ملائمة لغير المواطنين من أجل تعزيز النمو الاقتصادي، حيث تتنافس كل من الإمارات والسعودية على إنشاء أنظمة بطاقة إقامة دائمة ـ جولدن جرين كارد» وبرامج سخية للمزايا من أجل استقطاب المواهب العالمية والمبتكرين والباحثين الأجانب، وتشجيع وتحسين الابتكار، بيد أن الكويت لا تزال تركز على استبدال العمالة الوافدة بموظفين كويتيين والحد من الاعتماد على العمالة غير الكويتية في القطاع العام».
تصنيفات نوعية
وسرد التقرير تصنيفات نوعية إذ أظهر توزيع عينة الدراسة بحسب الجنسية، ارتفاع التحصيل والمؤهلات الاكاديمية لدى العاملين الوافدين مقارنة بالمواطنين الكويتيين، ومع أن أغلبية عينة القوى العاملة هم مواطنون كويتيون (73%) مقابل 27% غير كويتيين، فإن نسبة العاملين غير الكويتيين ممن يحملون شهادات الدكتوراه أكثر من المواطنين الكويتيين، ويحملون تقريبا نفس عدد شهادات الماجستير، وهو نمط يتكرر في أنحاء القطاع العام ككل. ومن المرجح أن يظل الاعتماد الكبير على الخبرات الأجنبية مستمرا بسبب الافتقار إلى برامج لاستبقاء الخبرات وسوف تفقد الخبرات والمعارف القيمة التي طورها الوافدون المهرة بمجرد خروجهم من البلاد عند انتهاء عملهم، وللحد من الاعتماد على العمالة الوافدة، يتعين على المؤسسات والمنظمات المحلية الاستثمار في ممارسات إدارة المعرفة من أجل نقل المعارف والخبرات وحفظها أو إعادة نشرها محليا.
تطرق التقرير إلى أن تمثيل المرأة يعتبر متدنيا في عينة الدراسة بسبب هيمنة الذكور على الوظائف في العديد من المؤسسات سواء من حيث الرتبة أو السلم الوظيفي، خاصة في كوادرها الإدارية، وهذا التمييز الوظيفي يمثل تحديا يمكن التغلب عليه بسهولة مع تمكين المزيد من النساء من الدخول في القطاعات التي يهيمن عليها الذكور، بما في ذلك قوات الشرطة والجيش.
النساء أكثر تشككاً في القيادات
وعند توزيع عينة الدراسة بحسب الجنس، نجد أن الرجال بشكل عام أكثر إيجابية بشأن بيئة العمل وفرص التدريب، في حين أن الموظفات أكثر تشككا في ممارسات القيادة واستخدام الحوافز النقدية لتشجيع الابتكار والإبداع وتطويرهن الوظيفي، وهذه النتيجة تؤكد من جديد ضرورة تحويل إدارة المعرفة نحو نظام أكثر إنصافا وشمولا للجنسين، وهناك مجال لتعزيز وجود موظفات وتحقيق التوازن بين تمثيل الجنسين في المستويات العليا، ومن المهم معالجة العوائق المتصلة بنوع الجنس في القطاع العام حتى يتم إنشاء المعارف واستخدامها ومشاركتها على نحو عادل. وبدراسة توزيع عينة الدراسة وفقا للفئة العمرية، نجد أن الموظفين الشباب أكثر اعتيادا على استخدام التكنولوجيا في التواصل، ولديهم ثقة أقل في الإدارة العليا ويفضلون الاجتماعات غير الرسمية وقنوات الاتصال ونشر المعرفة، فالمنظمات الناجحة هي التي تستطيع التوفيق بين الموظفين الأكبر سنا والأكثر خبرة إلى حد كبير مع الموظفين الأصغر سنا لضمان إشراكهم في صنع القرار والإحساس بالتمكين، ويعتبر الموظفون الأصغر سنا وأولئك الذين يعملون في المؤسسة لأقصر فترة زمنية في كثير من الأحيان أولئك الذين يمكن أن يكونوا أكثر إبداعا وابتكارا قبل أن يصبحوا مقيدين بأساليب العمل القائمة.
المؤشر المعرفي والإصلاح
يساعد المؤشر المعرفي للمؤسسات العامة على تشخيص قدرة القطاع العام على استخدام المعرفة لتحسين إنتاجية سير العمل وتقليل التكاليف الإدارية، وهو يقيم قدرة المؤسسات العامة على القيام بالأنشطة المعرفية، ويقيس الثقافة المؤسسية والقيادية من حيث دمج إدارة المعرفة في إجراءات العمل، ويساعد قادة القطاع العام في وضع تطوير آليات لتعزيز بيئة العمل المتعلقة بأنشطة المعرفة، وأخيرا، سوف يدعم تشخيص مواطن القوة ونقاط الضعف في الاقتصاد الوطني.
الكويت تستطيع
تضمنت نتائج المؤشر أنه بوسع مؤسسات القطاع العام أن تحسن هياكلها وعملياتها الحالية، خصوصا بوجود مؤشرات جيدة في أن هناك مستويات مرتفعة من الثقة لدى الإدارة العليا واستعداد الموظفين للعمل معها من أجل تحسين ممارسات إدارة المعرفة في المؤسسة. وذكرت أن الثقافة الإبداعية والمبتكرة وهياكل الإدارة والموظفين التي تتسم بالمرونة والذكاء هي سر ازدهار وانتعاش منظمات التعلم الحديثة التي تقوم بتطوير ونشر ثقافة تتحدى الوضع الراهن بشكل مستمر وتبحث عن سبل أفضل للعمل تؤدي بدورها إلى تحسين المنتجات والخدمات.
ممارسات تقليدية.. صارمة
تطرق المؤشر إلى أن هناك مجموعة من الجهات التي لا تزال ملتزمة بالممارسات التقليدية الصارمة للخدمة المدنية، ولا يزال يتعين على هذه الجهات أن تعتمد تقنيات حديثة لإدارة المعرفة بطريقة مجدية وهناك الكثير مما يمكن لهذه الجهات أن تتعلمه من نظيراتها ذات الأداء العالي في مجال إدارة المعرفة، ومن المؤمل أن يكون التقرير «جسرا للمعرفة» بين الجهات الأعلى أداء وتلك التي ترغب في الاقتداء بها.
القطاع المالي و«النفط».. متميزون
أظهرت النتائج الرئيسية للمؤشر أن مؤسسات القطاع العام تظهر مستويات مختلفة من التطور في إدارة المعرفة، وهناك جوانب من التميز في القطاع المالي خصوصا وشركات النفط التي بدأت في تطوير ممارسات لإدارة المعرفة منذ ما يقرب من 20 عاما ولديها آليات راسخة لتبادل الممارسات الجيدة مع الشركات الشقيقة والشركات الفرعية في هذه الصناعة، وأدرجت كبرى شركات النفط أفضل تقنيات إدارة المعرفة وأحدثها على مستوى العالم، كما بدأت في الآونة الأخيرة الكثير من الجهات الأخرى بالتفكير في إدارة المعرفة وهي بصدد تحسين هياكلها وعملياتها التنظيمية الداخلية.