في العقود الأخيرة، كانت البشرية تعيش في العالم الرقمي وتعتمد عليه في كل جانب من جوانب الحياة، من الأعمال التجارية إلى التعليم، من الترفيه إلى التواصل الاجتماعي، واليوم تعيش التكنولوجيا في عصر مليء بالابتكارات والتطورات السريعة، ومن بين هذه التطورات الجديدة تبرز تقنية الميتافيرس، التي لا تعد مجرد تكنولوجيا واقع افتراضي، بل هي تحول جذري في عالم التكنولوجيا يعد بتغيير كبير في طريقة تفاعلنا مع العالم وبيئتنا المحيطة، وبينما نتجه نحو المستقبل الرقمي، فإن الميتافيرس تعد بتغيير كبير في الطريقة التي نعيش فيها ونتفاعل فيها مع العالم. فهي تتيح لنا القدرة على تجاوز حدود الواقع الفيزيائي، وتفتح الباب لفرص جديدة للتواصل.
وتحدث الميتافيرس تغييرا جذريا في عديد من المجالات، بدءا من الترفيه والألعاب وصولا إلى التعليم والرعاية الصحية والأعمال التجارية، وستؤثر في طريقة العيش وستفتح الأبواب أمام فرص جديدة وتحولات مذهلة.
وبحسب أحدث التقارير، يقدر حجم سوق الميتافيرس العالمية بـ39.25 مليار دولار في 2021، و993.86 مليار دولار بحلول 2030، وبمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 43.20 في المائة خلال فترة التوقعات.
وتعد الميتافيرس بيئة رقمية محاكية يتم تمكينها بوساطة تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز والبلوكشين والواقع المختلط وغيرها من التقنيات المتقدمة، وتعمل هذه التقنيات على بناء مناطق لإنشاء تجربة مستخدم حصرية في البيئة الافتراضية.
أظهرت دراسة أجرتها “كاسبرسكي” أن أغلبية الموظفين في السعودية التي تقدر نسبتهم بـ64.8 في المائة، يعتقدون أن عالم الميتافيرس يمثل مستقبل الإنترنت، وأنه سيحدث ثورة في جميع القطاعات، وأبدى 19.5 في المائة من الموظفين شكوكا إزاء هذا التحول، وقالوا إنه مجرد اتجاه وسينتهي بعد فترة من الوقت، وقال 32.3 في المائة إن شركاتهم طورت بالفعل مشاريع متعلقة بتقنيات الميتافيرس، أو قامت بوضع خطط محددة لمثل هذه المشاريع بنسبة 42.5 في المائة، ومع ذلك، سيكون هذا التحول مقترنا بتحديات جديدة تتعلق بالأمن السيبراني. وينظر إلى عالم الميتافيرس على أنه الجيل المقبل من الإنترنت، ويؤدي إلى تلاشي الحدود بين العالمين المتصل وغير المتصل بالإنترنت، ليقدم إمكانات لا حدود لها للتجارب الاجتماعية والاقتصادية والترفيهية.
وهناك عديد من العوامل الدافعة لنمو الميتافيرس وانتشاره، ومن هذه التقنيات الذكاء الاصطناعي، الواقع المعزز والواقع الافتراضي، وتقنية البلوكتشين، والحوسبة السحابية واتصال الجيل الخامس، والتي من شأنها تحقيق تجربة افتراضية غامرة وتفاعلية لم يكن بالإمكان تصورها قبل بضعة عقود.
وتمتلك تقنية الميتافيرس تطبيقات واسعة ومتنوعة تمتد عبر عدة صناعات ومجالات، في مجال الألعاب، ويمكن للميتافيرس تحويل تجربة اللعب إلى شيء أكثر واقعية وتفاعلية، حيث يمكن للاعبين التفاعل مع الشخصيات الافتراضية والبيئات بشكل أكثر طبيعية، إضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الميتافيرس في التعليم لإيجاد تجارب تعليمية محسنة تنقل المفاهيم الصعبة بطرق بدهية وشائقة، وفي مجال العمل والأعمال، يمكن للميتافيرس أن تحدث ثورة في طريقة عمل الشركات والمؤسسات. يمكن استخدامها في تدريب الموظفين وتحسين كفاءة العمليات والتعاون عن بعد، حيث يمكن للموظفين التفاعل مع البيانات والمعلومات والأدوات في بيئة افتراضية تحاكي العمل الحقيقي.
وتقدم الميتافيرس فرصا هائلة لكنها ليست دون تحديات، من الفرص، القدرة على العمل والتعلم والتواصل في بيئة ثلاثية الأبعاد يمكن أن تحدث ثورة في عديد من القطاعات. لكن، هناك أيضا تحديات كبيرة، بما في ذلك الخصوصية والأمان، والحاجة إلى تقنيات وبنى تحتية قوية، والقضايا المرتبطة بالحياة في بيئة رقمية، حيث أشارت الدراسة إلى تحذيرات من الظواهر الجديدة مثل تقنية الميتافيرس، مؤكدين أنها تكون مصحوبة بمخاطر إلكترونية، إذ يمكن أن تتعرض أجهزة الواقع الافتراضي لهجمات يكون هدفها التلاعب بالمحتوى، ليس هذا فحسب، بل يمكن سرقة الأصول الافتراضية المكتسبة في عالم الميتافيرس، الأمر الذي يفرض تهديدا للاقتصادات الافتراضية بالكامل، وتوجد هناك أيضا مخاوف جديدة تتعلق بالخصوصية، حيث يتم جمع بيانات واسعة تتعلق بتصرفات المستخدمين وجوانب سلوكهم وما يفضلونه، التي يمكن استغلالها لسرقة الهوية أو لفرض الرقابة. وتشكل حماية خصوصية الأفراد في مثل هذا العالم الرقمي والمترابط تحديا كبيرا. وفي ظل استمرار تطور التحول، ستحتاج استراتيجيات الأمن السيبراني إلى التكيف لمعالجة التهديدات ونقاط الضعف الناشئة.