«ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً»…
بهذه الآية الكريمة استهل رئيس قسم زراعة الأعضاء بمركز حامد العيسى لزراعة الأعضاء رئيس الجمعية الكويتية لزراعة الأعضاء الدكتور مصطفى الموسوي حديثه عن تفاصيل إنقاذ فتاة فرنسية، عمرها 14 عاماً، حياة ثلاثة كويتيين، هم طفلتان وشاب، بعد أن كتب الله لها الوفاة في الكويت يوم السبت الماضي، حيث وافق والداها على التبرع بأعضائها (الكبد والكليتين).
وفي عملية «معقّدة»، كما وصفها الدكتور الموسوي، بالتعاون بين فريق طبي كويتي – سعودي، تم نقل كبد الطفلة المتوفاة، من مستشفى مبارك يوم السبت الماضي، ليزرع لطفلة كويتية تبلغ 12 عاماً في مستشفى الحرس الوطني بالرياض في اليوم نفسه، عقب نقلها بالإسعاف الجوي، وتكللت العملية بالنجاح، بعد أن استمرت حتى منتصف الليل.
وأشار إلى ان إحدى الكليتين زرعت لطفلة كويتية تبلغ من العمر 4 سنوات في مستشفى الملك فهد بمدينة الدمام، فيما تم إجراء زراعة الكلية الثانية لشاب كويتي أيضاً في مركز حامد العيسى لزراعة الأعضاء في الكويت.
الدكتور الموسوي، صاحب الخبرات الطويلة والجهود المضنية في كتابة شهادة حياة جديدة لمئات المرضى، والذي يعد مهندس التبرع بالأعضاء، عبر جهوده التي لا تتوقف لإقناع أقارب المتوفين بأهمية التبرع بالأعضاء عبر منهجية عمادها الحكمة والصبر ونبل الأخلاق والمهنية ورقي التعامل، أكد في تصريحات له أن الحالات الثلاث التي أجريت عمليات الزراعة لها، بحالة صحية مستقرة ومطمئنة وفي طور التعافي، إذ إن الأعضاء التي تمت زارعتها تعمل بصورة ممتازة.
وبيّن أن فريق الجمعية الكويتية لزراعة الأعضاء يتواصل مع أقارب كل متوفى دماغياً، عبر منسقي وأعضاء وحدة توفير الأعضاء المتواجدين في المستشفيات، بهدف عرض أمر التبرع بأعضائه، مشيراً إلى أن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة مازال الخيار المفضل لعملية الزراعة، لأن المتوفى يمكن أن يتبرع بأعضاء عدة لإنقاذ أكثر من مريض.
وبشأن مدى صعوبة إقناع والد الطفلة الفرنسية بالتبرع بأعضائها، قال الموسوي: «تحدثت معه عن خياراته، ومن ضمنها التبرع، وأوضحت له أن هناك طفلة بحاجة ماسة إلى زرع كبد وإلا قد تموت خلال عشرة أيام، فبكى قليلاً ثم قال إن ابنته كانت كريمة وتحب مساعدة الآخرين وانه لا مانع لديه، بشرط أن نعامل ابنته بلطف أثناء العملية، وأن نأخذ موافقة والدتها… وقد التقيت بالوالدين في اليوم التالي وأخذت الموافقة منهما».
واضاف ان «الطفلة الفرنسية رحمها الله كانت تعاني من عيوب خلقية منذ الولادة في شرايين المخ، أدت إلى نزيف شديد تسبب في وفاتها دماغياً»، موضحاً أن «أفضل أنواع التبرع هو من المتوفى سريرياً أو دماغياً، لأن أعضاءه تكون سليمة وصحية، كما حدث في حالة الفتاة الفرنسية».
ولفت إلى أهمية الأخذ بعين الاعتبار عامل السرعة في نقل أعضاء المتوفى، بعد العملية، وزرعها في أقرب وقت، حيث تتلف الأعضاء مع توقف القلب عن ضخ الدم.
وأكد أن «إنقاذ حياة المرضى من الموت لا يقدر بثمن، فأيهما أفضل للإنسان أن يجود بأعضائه بعد الوفاة لانقاذ نفس في أمس الحاجة للحياة أم أن تصبح أعضاؤه وليمة لهوام الأرض؟… وأتقدم بجزيل الشكر لوالدي الطفلة الفرنسية لموافقتهما على التبرع بأعضائها، وإنقاذها لأطفال كالملائكة، سائلين الله أن يتغمد الطفلة الفقيدة بواسع رحمته، وأن يلهم ذويها الصبر والسلوان، وأن يجعل ما جادت به طريقها إلى جنات الخلد».
وفيما أشار الدكتور الموسوي الى أن المتبرع المتوفى يمكن أن ينقذ 7 مرضى أو أكثر في حالة حرجة، أوضح أهمية بذل المزيد من الجهود لتعزيز ثقافة التبرع بالأعضاء، لا سيما مع انخفاض نسبتها في الكويت، وفي دول الشرق الأوسط مقارنة بدول أوروبا وأميركا.
وأكد أن «هناك متبرعين لدى الجمعية الكويتية لزراعة الأعضاء من كل الجنسيات، ومن ضمنهم مواطنون، إلا أن إقناع العرب بشكل عام في غاية الصعوبة أحياناً، إذ إن التبرع بالأعضاء مازال غير مقبول عند كثيرين».
وأوضح أن «الوعي بالتبرع بالأعضاء يتزايد في الكويت، خصوصاً في جيل الشباب، وهناك أكثر من 13 ألفاً يحملون بطاقات التبرع بالأعضاء بعد الوفاة»، لافتا الى أن الكويت حالياً تأتي في المرتبة الثالثة في منطقة الشرق الاوسط في عدد المتبرعين بعد الوفاة لكل مليون.
واشار إلى أن المتبرع المتوفى يمكنه إنقاذ مصابَيْن بالفشل الكلوي، ومصاب بالفشل القلبي، ومصابين بالفشل الكبدي، ومصابين بفشل الرئة، كما يمكن للقرنية أن تنقذ مصابا بالعمي، معرباً عن خالص تعازيه في ختام حديثه لوالدي الطفلة الفرنسية، ومتمنيا موفور الصحة للأطفال الثلاثة الذين أجريت لهم عمليات الزراعة.