مرت قبل أيام ذكرى اليوم العالمي للغة العربية. إذ تحتفي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) في 18 كانون الأول\ ديسمبر منذ عام 2012 بالعربية كإحدى أهم لغات العالم محتوى وممارسة وانتشار. لماذا هذا التاريخ تحديداً؟ لأنه “اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في عام 1973، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة” كما جاء في صفحة الموسوعة الإلكترونية بالغة السرعة (ويكيبيديا) العربية.
علمت بذلك قبل عامين –أو ربما أكثر- إثر سقسقة عابرة في تطبيق المغرَّدة (Twitter) وطرت بها فرحاً أنشرها في كل مكان، لعلها تشعل جذوة همة تنسف أسطورة متداولة تدعي أن لا لغة للعلم سوى لغة المستعمر الأجنبي!
ربما يظن الظان أنني داعية جديد للعرقية المتغطرسة التي تؤمن بنبالة جنس بشري محدد وبثقافته دون غيره، على غرار الشوفينية النازية! أو أن المقال جاء لتقديس لغة وتدنيس لغات! إلا أن الأمر ليس على ما يُظن، فلست متعصباً، ولا أرى ألسنة الآخرين عدوة! بل هو مهم كما نقرأ ما ينقل عن الدراسات –إن صحّ وصحّت- أن ذهن الإنسان يتفوق كلما أتقن لغة ما، وأن فكره يتسع بمقدار ما تمنحه تلك اللغات من مناظير. إلا أن ذلك يجب ألّا يكون ألبتّة على حساب لغتنا! بل هي من مسؤوليتنا أن نبقيها متسيدة في محكياتنا الشفاهية وتدويناتنا. والأهم من ذلك هو تحويل المنتجات العلمية والفكرية والأدبية المدونة باللغات الأخرى إلى لغتنا، فلم تقم قائمة الحضارة العربية الإسلامية إلا بعد أن ترجمت معارف الحضارات التي سبقتها وانطلقت منها لتبني معارف جديدة، فصارت قبلة العالم لتلقي المعرفة. وهكذا صنع الغرب فتقدم، وهكذا يجب أن نصنع لكي نطبع أكفنا على جدار الحضارة الإنسانية الذي يرتفع كل يوم، عوضاً عن أن نجعله حائطاً للمبكى.
لقد بيّن الكثيرون، ومنهم من بلغ درجة الحكمة في تحصيله العلمي، أهمية أن يتلقى طالب العلم تعليمه بلغة قومه، لما للأثر الطردي لذلك على النتاج المعرفي. والناظر لصناعة الكتاب المحلي اليوم ليدرك مصداق هذا القول، ففي حين تُصب نواتجه في ساحة الأدب –بغض النظر عن المستوى الأدبي- حتى بلغني أن دار نشرٍ محلية حديثة تجاوز عدد إصداراتها خلال أعوام قليلة الـ20 ألف إصدار! فيما كتب الطب والعلوم والهندسة بالكاد تُذكر! ولا أشك أن لو كان الأدب قد كُتِبَ بلغة غير لغتنا المتداولة لما وجدنا هذا الانكباب عليه كما هو مشاهد اليوم. ولو دُوِّنَت العلوم بلغتنا فسنرى شجرتها تكبر عامأ بعد عام، ونرى أثر ذلك على الفكر العلمي والمنجزات العلمية بتخصصاتها المتفرعة. فـ”لم تعجز لغتنا، ولن تعجز، عن استيعاب علوم هذا العصر واكتشافاته، بل يمكنها أيضاً اكتشاف مصطلحات لغوية أدق لاختراعاته وتطوراته” كما أكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في رسالته للشباب العربي مع صدور أول عدد عربي من مجلة العلوم للعموم (Popular Sciences).
لقد بذلت الدبلوماسية العربية –والكويتية ضمنها- جهوداً جبارة حتى تدفع الأمم المتحدة للاعتراف بلغتنا في أروقتها. وليت جهود أنظمتنا في الداخل توازت مع ما بذلته في الخارج منذ ذلك الوقت فلربما تبدل الحال. لذلك أدعو المهندس علي اليوحة، رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، لتوجيه بعض طاقاته الجبارة ومؤسسته نحو هذا اليوم، لكي يتحفنا باحتفال إبداعي ينطلق من اللغة العربية ويصب فيها، خالعاً عن إنساننا العربي جبة اليأس، وملقياً عليه قميص البصيرة. ولا أستثني من دعوتي كل المؤسسات المعرفية في الكويت وخصوصاً جامعتها اليتيمة، للاستفادة من مخرجاتها لبعث حركة الترجمة، بل وتوفير المراجع العلمية لمقرراتها الدراسية بلغة الدولة الرسمية. فلما كان محمد علي باشا قد اشترط على المبتعثين للدراسات في أوروبا ترجمة مراجعهم الدراسية كجزء من برنامج الابتعاث، كانت إحدى نتائج ذلك تطور العلم في مصر حتى صارت تستقطب البعثات الدراسية من اليابان آنذاك.
أذكر يوماً أن تحدث إلينا الدكتور ساجد العبدلي عبر تطبيق الـ(SnapChat) بالعربية طوال يوم 18 كانون الأول / ديسمبر. وليته يكتب عن هذه التجربة بإيجابياتها وسلبياتها وردات الفعل عليها، لعلها تدفعنا للتخاطب بلسان القرآن.
وفي حين أكتب لكم ذلك، إلى أن أتجرأ على ترجمة كتاب، تبذل منصة تكوين ومؤسسة ترجمان جهوداً محلية غير مدعومة في الترجمة إلى العربية. وهي جهود شبابية تستحق أن يسلط عليها الضوء والدعم حتى يستمر ظلها المعرفي وارفاً.
خالد اسنافي الفالح