آراء

#آراء | عَروب الرويشد .. تكتب “لايف كوتش بدرية مبارك ولغة اللمس”

التقيت بالـ “لايف كوتش” بدرية مبارك لأول مرة أثناء عملي الميداني في التدريس، كنت مكلفة بنقل طالبات الصف التاسع من صفهم إلى مقر ندوة القراءة، للأمانة كنت أظن أن الندوة موجهة للطالبات لم أكن أعلم أنها ستغير حياتي..!

قررت أن أنهمك في الندوة بإكمال تحضير درسي والاستعداد للدخول على صفوفي اللاحقة، فالاستعداد للشرح أمر مهم لدي وأتوتر إن لم أعد نفسي جيداً لطالباتي، لكن وجدتني مأخوذة ومبهورة بصوت “بدرية مبارك” الهادئ والواثق..!

تمتلك بدرية كاريزما جذابة تجعل المرء يتساءل ما هذه الراحة؟ صوتها يبعث الطمأنينة على النفس كما يحدث عندما نسمع صوت الإمام الندي أثناء الصلاة..!

انتهت الندوة وقد علق اسم بدرية مبارك في ذهني، ورحت أبحث عنها في مواقع التواصل الاجتماعي لأعرف من هذه المرأة؟ وما هو عملها بالضبط؟ بدرية مبارك كاتبة وعضوة في رابطة الأدباء الكويتيين، كانت تفتح مواضيعاً اجتماعية وتعرض قصص نساء يعانين من مشاكل وكيف غيرت حياتهن، عندما علمت أنها تعطي استشارات مجانية من خلال البريد الإلكتروني أرسلت لها سؤالاً وأنا لا أتوقع إجابة فالمشاهير عادةً لا يجيبون على البريد المزدحم، لكن جاءني الرد سريعاً وأخبرتني أن سؤالي ناضج جداً..!

كلمة التحفيز هذه شجعتني لاتخاذ قرار بلقاء هذه الفراشة التي تنشر البهجة أينما حلت، دعتني للقدوم إليها بعد رسالة أخرى أشكو لها معاناتي من عقدة الكتابة التي جعلتني أعجز عن وضع نهاية لروايتي الأولى، أخبرتني أن الرواية مشروع والمشاريع تحتاج إلى تخطيط ويجب أن ننجز ذلك معاً، لا أخفي عنكم الشعور عندما يهتم أحد بعملي أكثر مني وأكثر من أساتذتي الجامعيين..! أعلم أن هذه مهنتها وعملها لكن الإخلاص بهذا الشكل لخلق عالماً أجمل لا يمتلكه أي شخص..!

أثناء انتظاري في الردهة، أخبرتني السكرتيرة أن بدرية قادمة في الطريق، جاءت بدرية الفاتنة تعتلي وجهها ابتسامة ساحرة، دخلت إلى مكتبها، فقالت بعد أن اخترت مقعداً مريحاً: تفضلي عَروب.

انطلقت أتحدث عن روايتي وإنجازاتي وهي تتفحص ملامحي غير مبالية بقناع الثقة الذي أضعه ومراوغاتي للانتقال من موضوع لآخر دون التطرق لمشكلتي أو البوح بما يحزنني كما فعلت في رسالة البريد..!

في الواقع أنا كتومة لا أفصح عن مشاعري إلا على الورق ولهذا حدث ماحدث، شعرت بها تتساءل بينها وبين نفسها: هل أتت لتحصل على استشارة أم مقابلة عمل؟! حاولت مقاطعتي: “اهدئي” قدمت لي قارورة مياه، “لا أريد شكراً” ابتسَمَتْ بهدوء، لوهلة كاد أن يخيب أملي بها وهي تتجاهل حديثي وتعبر عن انزعاجها بإيماءاتها، لكن أتفهم الآن صعوبة الوصول لمشاعري السجينة في أعمق نقطة من قلبي، سألتني بعد أن أفرغت جعبتي من الحديث: هل تريدين شيئاً آخر عروب؟ قالت ذلك وهي تغلق ملفي وكأنها تلوح بفرصتي الأخيرة للنجاة

أصرت على ترديد اسمي كل مرة تخاطبني بها لأشعر بالاهتمام، كنت مدركة لما تفعله بحكم خبرتي بعلم النفس من الكتب التي قرأتها.

اعترفت أخيراً بنبرة يائسة: أتمنى أن أكون قريبة أكثر من والديّ..!

ابتسمت ابتسامة انتصار فتفاجأت من قسوتها في اقتناص المشاعر المؤلمة ووضع أصبعها على الجرح..!

سألت وكأنها قد أمسكت بطرف خيط لحل اللغز: ما الذي يمنع ذلك؟

تلعثمت فلم أكن أعرف الإجابة ولم أتوقع الغوص لهذا العمق: لا أدري.. أشعر.. أشعر أن البقاء وحيدة أكثر أماناً

أمسكت بيدي والابتسامة الساحرة لم تفارق شفاهها، رددت اسمي مجدداً وأنا أحاول تذكر آخر مرة لمس أحدهم يدي بحنان هكذا، سبق ونشرت بدرية قصص استشارات لفتيات تحدثن عن هذه اللحظة لكن لم أتوقع أنني أشبههن بهذا الضعف..! ظننت نفسي قوية لكنني هشة في الواقع..! متكبرة متعجرفة أنكر الألم وأقسو على نفسي.. عدت للتركيز على حديثها: ما حصل لم يكن ذنبك، أنت الآن حققت الكثير ولديك حياة ومستقبل.. أكملت حديثها الذي كنت أعرفه مسبقاً لكن أصغيت إليه هذه المرة بصوت مسموع ودموع متعاطفة مع الطفلة الهشة داخلي، الطفلة التي أهملتها طويلاً.

حدث شئ كالسحر، شفيت..! ولا أعلم كيف..! هل كان كل ما يتطلبه الأمر لمسة ونظرة وكلمات نعرفها حق اليقين لكن نود سماعها من شخص آخر..؟! يا لبخل البشر فيما يخص المشاعر..! أخبروا من تحبون بما يحتاجون سماعه، تحدثوا بلغة اللمس والعيون، وكونوا بالقرب ممن تحبون.

أنهيت روايتي التي حرصت على تواجدها في معرض الكتاب هذه السنة، وحققت الكثير من الإنجازات برفقة بدرية، ومازلت بحاجة إلى المزيد من بدرية، الفراشة المبهجة، وها أنا أكتب المقالة الأولى آملة أن أستمر في الكتابة عن الجمال..!

عَروب الرويشد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى