إطفاء آبار النفط المشتعلة جراء الغزو العراقي الغاشم.. ملحمة خالدة تجسد عزيمة أهل الكويت

“جريمة العصر وأكبر كارثة نفطية شهدها العالم” تلك التي ارتكبتها قوات الغزو العراقي الغاشم قبيل اندحارها من دولة الكويت في شهر فبراير عام 1991 إذ أقدمت على إشعال النيران في آبار النفط الكويتية إلا أن أهل الكويت واجهوا تلك المحنة بإرادة لا تنكسر وعزيمة لا تلين.
وعندما أدرك المحتل الغازي أن عدوانه قد اندحر وتقهقر بدأ عمليته التخريبية الخبيثة وأضرم النيران في آبار النفط الكويتية دون التفكير في عواقب جريمته بيئيا وصحيا واقتصاديا أو أضرارها على الكائنات الحية وراح يجر خلفه أذيال الخزي والعار والهزيمة.
وقدرت عدد الآبار النفطية التي فجرتها القوات العراقية بنحو 737 بئرا في حين تراوحت كمية النفط التي كانت تحرق يوميا ما بين 4 و 6 ملايين برميل من البترول الخام.
كما قدرت خسائر دولة الكويت المادية المباشرة جراء احتراق النفط بما يقارب ال120 مليون دولار أمريكي يوميا لتفقد جراء احتراق هذه الآبار ما بين ال5ر1 و2 مليار برميل نفط.
وقام الفريق الكويتي المعني بعملية الإطفاء بأدوار بطولية إلى جانب الفرق الأخرى المشاركة من الدول الشقيقة والصديقة حيث ضم نحو 30 شخصا جميعهم من الرجال عدا امرأة واحدة هي المهندسة ساره أكبر التي ضربت أروع الأمثلة عن نساء الكويت في الشجاعة والتضحية وحب الوطن.
وتقول ساره أكبر لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الأربعاء إن الفريق الكويتي ضرب أروع الأمثلة في خدمة الوطن ورسخ في الأذهان صورة ناصعة عن صفات الصبر والعزيمة والثبات وحب الوطن.
وذكرت أن إطفاء آبار النفط “عملية بطولية” نسجتها سواعد رجال ونساء نذروا أنفسهم لمحو آثار جريمة العصر التي ارتكبتها قوات الغزو الغاشم عندما أضرمت النار في 737 بئرا نفطية بعد أن أيقنت أن عدوانها قد اندحر.
وأوضحت أن معظم الخبراء قدروا أن تستغرق عملية الإطفاء نحو خمس سنوات على الأقل “إلا أن ثمانية أشهر كانت كافية وفقا لمقاييس أبناء الكويت المخلصين للسيطرة على الحرائق النفطية”.
واستطردت بقولها “تم تشكيل فريق إطفاء شركة نفط الكويت (فريق الإطفاء الكويتي) في 9 سبتمبر 1991 وضم 30 عضوا تمكنوا من إطفاء 41 بئرا خلال 53 يوما فقط” موضحة أن “عمليات الإطفاء الفعلية تمت قبل هذا التاريخ بكثير بل وفي اليوم الأول من انسحاب القوات العراقية”.
وذكرت أن إجمالي الفرق المشاركة بعملية الإطفاء بلغ 27 فريقا من 10 دول ضمت أكثر من 10 آلاف إطفائي” منوهة الى السيطرة على حرائق جميع الآبار في زمن قياسي بلغ 240 يوما فقط إذ بدأت عملية إطفاء الآبار بشكل رسمي في 16 مارس 1991.
وقالت أكبر إن “مدى الدخان المرئي والناجم عن حرق الآبار توسع لمسافة ألفي كيلومتر ليصل إلى الصين والهند شرقا كما أن (السخام) الناجم عن حرائق الآبار تم رصده في ولاية هاواي الأمريكية وكذلك في اليابان”.
وأضافت أن فريق الإطفاء الكويتي نجح بعد ذلك وتحديدا في عام 2003 “خلال حرب الإطاحة بالنظام العراقي السابق” في إخماد حرائق البئرين A1 وA2 بحقل الرميلة النفطي في جنوب العراق.
وأفادت بأنه تم إطلاق اسم (القط البري) على فريق الإطفاء الكويتي نظرا لسرعته في الانتقال من مكان لآخر موضحة أن “الكويت أنفقت نحو 5ر1 مليار دولار في عملية إخماد حرائق النفط ولولا ذلك لاستمرت عشرات السنين”.

وذكرت أن فرق شركة نفط الكويت المتواجدة في مختلف دول العالم وضعت خطة لمشروع العودة كما أعدت عقودا لمكافحة الكارثة البيئية التي أحدثها الغزو والمساهمة في ترميم مرافق إنتاج وتكرير النفط.
ولفتت أكبر إلى أنه وبعد نجاح مشروع العودة تركزت جهود شركة نفط الكويت على إعادة تأهيل 18 مركز تجميع فيما تكثفت الجهود لاسترجاع ومعالجة ما يقارب 20 مليون برميل من النفط الخام التي تم تجميعها من قرابة 240 بحيرة نفطية.
وبينت أنه كان لحرق تلك الآبار أثر بيئي كبير فقد أدت إلى تكون نحو 300 بحيرة نفطية بمساحات وأعماق متفاوتة نسبيا بحسب تضاريس الأرض وقدرت مساحتها بنحو 50 كيلومترا مربعا فيما تم تقدير كميات النفط المتسربة فيها بنحو 23 مليون برميل.
وذكرت أنه “جراء حرائق الآبار النفطية تعرضت المكامن النفطية لاستنزاف كبير وأضرار جسيمة تمثلت في الانخفاض الحاد بالضغط المكمني وارتفاع منسوب المياه التي تسربت إلى الطبقات الحاملة للنفط فضلا عن انهيار الجدران الداخلية للعديد من الآبار بسبب التغير المستمر في الضغط المكمني إلى جانب زيادة نسبة الغاز في النفط”.
أما بالنسبة للمصافي التابعة لشركة البترول الوطنية الكويتية قالت أكبر إنها تضررت بدورها بشكل كبير ومنها مصفاة ميناء الأحمدي التي شهدت تدمير غرفة التحكم المركزية ونظام مكافحة الحريق فيها بشكل كامل وبصورة متعمدة باستخدام متفجرات إضافة إلى حرق وتدمير مضخات نقل المنتجات بين المصافي الثلاث وكافة خطوط الأنابيب المرتبطة بها وكذلك أجهزة التحكم في الجزيرة الاصطناعية ومعداتها.
وأوضحت أن غالبية الوحدات والمرافق في مصفاة الشعيبة تعرضت لأضرار فادحة حيث أصيب برج التقطير الأولي وملحقاته في وحدة تكرير النفط الخام كما أصيبت وحدة التكسير الهيدروجيني ووحدة “اتش أويل” بالمصفاة المذكورة.
أما الأضرار التي تعرضت لها مرافق التخزين والنقل والشحن ذكرت أكبر أنه تم تدمير 21 خزانا بلغت طاقتها الإجمالية نحو 7 ملايين برميل من النفط فيما لم تسلم مرافق التصدير من العدوان حيث لحق الدمار بالجزيرة الصناعية لشحن النفط التي كانت تقع على مسافة 10 أميال من الشاطئ في ميناء الأحمدي.
وأفادت بأنه في السادس من نوفمبر 1991 ضغط سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه على زر إطفاء آخر بئر مشتعلة لتسجل الكويت بجهود أبنائها المخلصين وبالتعاون مع فرق الإطفاء العالمية إنجازا تاريخيا كبيرا سيبقى حيا في الذاكرة.
وأشارت إلى تحقيق انتصار دبلوماسي كبير بعد نجاح الجهود التي بذلتها الدبلوماسية الكويتية باستصدار قرار أممي باعتبار السادس من نوفمبر سنويا يوما عالميا لمنع استخدام البيئة في الحروب والنزاعات العسكرية وهو “إنجاز مهم” أخرج البيئة من إطار الحروب والمنازعات إلى (الحماية والوقاية والمحافظة).
وذكرت أنه بهدف إصلاح الدمار الكبير الذي حل بالبيئة جراء الغزو العراقي الغاشم تم في عام 2010 إنشاء برنامج إعادة تأهيل البيئة في الكويت وهو لا يزال حتى تاريخه أكبر مشروع من نوعه على مستوى العالم وتتعاون فيه عدة جهات محلية ودولية رائدة.

Exit mobile version