فرغت قرية حرفيش الجبلية ذات الغالبية الدرزية في شمال إسرائيل، من رجالها الذين التحقوا بصفوف الجيش لحمل السلاح في زمن الحرب.
تسود مظاهر وطنية في هذه القرية الواقعة في منطقة الجليل، منذ الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) داخل الأراضي الإسرائيلية، وردت عليه الدولة العبرية بحملة قصف مدمر على قطاع غزة وعملية برية في شماله.
وتم تحويل أنشطة مصنعها لإنتاج بدلات عسكرية وعلقت على السيارات فيها ملصقات زرقاء وبيضاء بلوني العلم الإسرائيلي.
وقال حسن رباح، المسؤول عن أمن القرية البالغ عدد سكانها سبعة آلاف نسمة، إن حوالي “80% من الرجال (يعملون) في الدفاع الوطني”، أي في الجيش أو الشرطة أو الاستخبارات أو السجون.
وفيما يقاتل الجيش الإسرائيلي حركة حماس في قطاع غزة على مسافة مئتي كلم إلى الجنوب من قريتهم، ينصرف أبناء حرفيش للاهتمام بأمن حدود إسرائيل الشمالية التي تشهد بانتظام تبادلاً لإطلاق النار مع حزب الله اللبناني.
أوضح رباح الذي يترأس مجموعة دفاع ذاتي تشكلت بعد هجوم حركة حماس “إننا قريبون جداً من الحدود اللبنانية، على مسافة أربعة كلم، وليس هناك سياج في قريتنا، وبالتالي تتولى آليتان القيام بدوريات بوتيرة متواصلة”.
ويجوب عناصر المجموعة العشرون طرقات القرية المتعرجة، فيما تتردد أصوات القصف الإسرائيلي الذي يستهدف بانتظام جنوب لبنان.
وتتمركز في المنطقة الكتيبة العسكرية 299 التي يشكل الدروز 70% من عناصرها.
وتابع بعض هؤلاء السبت خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله.. وأوضح قائد الكتيبة كمال سعد أنه تم لهذه المناسبة إعلان حال التأهب القصوى تحسباً لخطر “قد يأتي من أي مكان، من البحر أو السماء أو وحدات برية” تابعة للحزب الحليف لحماس.
إخوة السلاح
ويقيم الدروز منذ قرون في هذه المنطقة الجبلية الواقعة عند المثلث الحدودي بين ثلاث دول تبقى رسمياً في حال حرب، وهي إسرائيل ولبنان وسوريا.
وقال المسؤول السياسي في حرفيش مفيد مرعي، إن “كل درزي يرتبط بالأرض التي يعيش عليها، إنه رابط لا يمكن قطعه”.
ويمثل الدروز البالغ عددهم 149 ألف نسمة، 2% من التعداد السكاني الإجمالي لإسرائيل.. وبموجب وضعهم الخاص كـ”إخوة السلاح”، إذ هم الوحيدون بين عرب إسرائيل الذين يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية، يتولى عدد متزايد منهم مناصب مدنية وعسكرية وسياسية عالية، على الرغم من أنهم يشكون بشكل متواصل من التمييز.
علّق مفيد مرعي في صالون منزله لوحة كبيرة تصور شقيقه العقيد نبيه مرعي الذي قتل في غزة عام 1996 وبات “بطلًا” في القرية، ولا سيما بعدما بعث رسالة في مطلع السبعينات حين كان في الثامنة عشرة من العمر إلى وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك طالباً منه الالتحاق بوحدة المظليين في الجيش.
وقال مفيد مرعي: “هو مهّد الطريق لنا جميعاً، منذ ذلك الحين بات لدينا مروحة من الاحتمالات”.
نموذجية
وأوضح مسؤول عسكري طالباً عدم ذكر اسمه أن ما يظهره الدروز من “نموذجية” وبسالة في القتال جعلهم حاضرين بقوة في وحدات النخبة.
وقال مرعي إن أكثر من “أربعين من أبناء الطائفة” الدرزية قتلوا في الأسابيع الأخيرة، معظمهم خلال التصدي لهجوم حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، مشيراً إلى أن العسكري الإسرائيلي الأعلى رتبة الذي قتل في غزة هو درزي.
وسقط حوالي 1200 قتيل في إسرائيل معظمهم مدنيون قضوا في اليوم الأول من هجوم حماس بحسب السلطات، فيما قتل من الجانب الفلسطيني 11078 شخصاً بينهم أكثر من 4506 أطفال في القصف الإسرائيلي على غزة، حسب آخر حصيلة أصدرتها وزارة الصحة التابعة لحماس.
وأقامت قرية يانوح-جت القريبة هذا الأسبوع مراسم لتكريم الضابط عليم سعد، شقيق كمال، والذي قتل في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) خلال معارك مع مسلحين عند الحدود الشمالية.
وروى شقيقه “أجلى جنوده وعاد وحيداً، قُتل أربعة من الإرهابيين الخمسة وتوفي هو جراء إصابته. ضحى بنفسه حتى لا يفعلون بنا ما فعلوه في الجنوب”.
ومنذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول)، تشهد مناطق شمال إسرائيل تبادلًا يومياً للقصف بين إسرائيل وحزب الله، وفصائل فلسطينية تنشط في جنوب لبنان.
وفي مركز للجيش الإسرائيلي في الشمال، تنشط تجهيزات عسكرية للتعامل مع التهديدات التي تشمل إطلاق الحزب صواريخ موجهة أو طائرات مسيّرة هجومية.
وقال كمال سعد: “نشأنا هنا، إنها منطقتنا، نعرف كل حجر فيها”، مضيفاً “مهمتنا هي حماية قوات الأمن التي تنشط هنا وما تبقى من المدنيين”، وختم: “من واجبنا أن نحمي مواطني إسرائيل.. لو كان عليم بجانبي الآن، لقال لي (تعود وتنجز المهمة)”.