من طرق التشويه الممنهج للسمعة في العمل، استدراج المسؤولين لنحو مهمات شاقة من دون مد يد المساعدة. فكم من مسؤول طار فرحاً بخبر تعيينه على رأس قطاع معين، لكنه كان فخاً خفياً نصب له، من دون أن يشعر! كأن يفاجأ لاحقاً بتحويل أفضل العقول والمتفانين في عملهم من قطاعه لقطاعات أخرى فيسقط في يده. ذلك أن المسؤولين يصعب أن يتقدموا أو يشار إلى أعمالهم بالبنان من دون إحاطة أنفسهم بكوادر مهنية. فالمدير لا ينبغي أن يعكف على الانشغال بالتفاصيل اليومية، لأن الأصل في عمله الإشراف والرقابة على المرؤوسين. وإذا ما تحمس المدير وانغمس في التفاصيل اليومية أخل ذلك بدوره الإشرافي.
ومن وسائل تشويه سمعة من يُسعى للتخلص منه، إذاعة أخبار إخفاقاته. فهناك من يقتنص الفرصة لنشر حكايات عثراتنا، وينسى أن لكل جواد كبوة، و«كما تدين تدان». فهناك دوماً من يود أن يدفعك نحو سفح الجبل، ليشفي غليله. من ينتقم فقد حاد عن جادة التنافس الشريف. ولذلك قال أرسطو «تشويه السمعة وسيلة كل حاقد».
ومن يضق ذرعاً بتفاني زملاء العمل، ينسَ أن شعلة عطائهم ستنير له الطريق. فكلما زاد عدد المتفانين في إنتاجيتهم صارت بيئة العمل أفضل، وأكثر جودة، وأقل خطأً. فالخامات الجيدة تدفعنا دفعاً نحو بذل قصارى جهدنا في العمل. ثمرة ذلك، تعود على الشخص نفسه، في المقام الأول، لأنها تصقل قدراته وتعمق تجاربه، وتضفي على كل من يتعامل معهم شعوراً مهنياً جميلاً. ولهذا يختار المتحاملون أقصر الطرق بالبحث عن سقطات «شعلة النشاط».
وقد قيل «اعتن جيداً بسمعتك لأنها ستعيش أكثر منك». وهي بالفعل كذلك. ولذلك قال الشاعر أحمد شوقي:
الناسُ صنفانِ: مَوتى فِي حيَاتِهِم *** وآخرُون بِبَطنِ الأرضِ أحيَاءُ
فمهما كانت شدة المعارك الضارية، سيبزغ نجم السمعة شاهداً على كل من يتحلى بالسلوك القويم، عاجلاً أم آجلاً. لا بد أن يدرك كل متفانٍ أنه سيكون في مرمى نيران الحاقدين. والحاقدون مراتب، منهم من يكتفى بالمشاعر، والقيل والقال، ومنهم من يحرك سهامه للطعن بنزاهتنا بكل وقاحة. وهناك من يأتيك بثياب الواعظ لكنه يخفي خلف قناعه حقداً دفيناً. بعضهم يحاول استنطاق فريسته بأسرارها أو أخطائها فإذا ما بلغ مآربه انسل كما تنسل الأفعى بسمومها.
البعض يحاول تشويه سمعه آخرين بكلام لا يصدقه عاقل. وليس من الحكمة نزول الضحية إلى هذا المستوى الهابط. فالأفعال أبلغ من الأقوال. وكما قال أديب الإنجليز شكسبير: «عود نفسك على التجاهل فليس كل ما يقال يستحق الرد». لا بد أن ندرك جميعاً أن بيئات العمل هي ميادين تنافس بكل ما يحمل التنافس من ندية ومواجهة وتجاوز على موروث القيم الأصيلة السائدة. عندما نلج من باب العمل لنتذكر أننا تركنا وراءنا عالم الأصدقاء إلى عالم الزملاء الذين لم يكن في مقدورنا انتقاؤهم جميعاً. وهذا بحد ذاته سبب كافٍ لتهيئتنا لفضاء مختلف من الصراعات، البقاء فيها لصاحب السمعة الجيدة والنفس الطويل. وكما قال شكسبير «السيرة الحسنة كشجرة الزيتون، لا تنمو سريعاً، لكنها تعيش طويلاً».