“جزيرة بالي” اخترتها وجهة للراحة والاسترخاء بعـد زيارتي لـ92 دولة حول العالم. حتى في بالي نفسها أصبح نشاطي المفضل هو قضاء يومي على كرسي أمام الشاطئ أقرأ كتابا أو أؤلف آخر. أصبح وجهي مألوفا لصبيان الشاطئ “كما يلقبون هناك” الذين يعلمون السياح تقنيات “السيرفنج” والطيران المظلي.
وذات يوم سألت أحدهم مازحا، هل تنوي قضاء حياتك متسكعا على الشاطئ؟ فهم قصدي وقال، هل سمعت بالنكتة التي حصلت هـنا؟ قـلت، لا. قال، ذات يوم، أتى سائح أمريكي ثري واستأجر كرسيا مثلك. كان رجلا وحيدا ومريضا وكبيرا في السن يزور بالي لأول مرة.
لفـت انتباهه استرخاء أحـد أصدقائي على الشاطئ ونومه على الرمال واضعا قبعته على وجهه. تأمله لفترة طويلة ثم ذهب إليه ونزع قبعته عن وجهه وقال ناصحا، يا بني: حين كنت في سنك كنت أصلح أجهزة التكييف، ثم أصبحت أبيعها، ثم بنيت مصنعا لإنتاجها، ثم أصبحت أصدرها، وفقط حين جمعت ثروة ضخمة قـررت السفر والاستجمام والتسكع على الشاطئ. صديقي لم يبال بكلامه وقال ببرود، ألـيس هذا ما أفعله الآن. ثم عاد إلى تغطية وجهه بالقبعة، في حين عاد السائح إلى كرسيه يراجع نفسه ويفكر كيف فقد أجمل أيام حياته!
أعجبتني القصة، لأنها نبهتني إلى أن الثروة التي تستهلك العمر هي ببساطة “مضيعة للوقـت”. فالعمر لا يتكرر مرتين، والأفضل من محاولة جمع ثروة ضخمة أو متأخرة “لدرجة تعجز عن الاستمتاع بها” هو التقاعد في التوقيت المناسب للاستمتاع بـالحياة ـ قبل سن العجز والشيخوخة وانتفاء الفائدة من المال ذاته.
ولكي تعرف أي صنف أنت، أخبرني “أنت” أي الطرفين تصرف بشكل سـليم؟
فتى بالي الذي يستمتع بحياته ولا يحمل هم الرزق، أم السائح الأمريكي الذي نسي الاستمتاع بحياته قبل سن الشيخوخة؟!
لا يمكنني سماع إجابتك، لكنني أعتقد أن إجابات الناس تضعهم تحت ثلاث خانات.
الخانة الاولى، خانة من لا يشغـلون بالـهم بمسألة النجاح والثروة، ويعيشون حـياتهم كما يحبون فعلا “مثل صبي بالي”.
الخانة الثانية ، خانة من يطاردون الثروة ولا يتوقفون عن العمل حتى يصلوا إلى سن الشيخوخة ويكتشفون فجأة أنهم لم يعيشوا حياتهم بالقدر الكافي.
أمـا أصحاب الخانة الثالثة فـيحاولون التوفيق بين المطلبين.. يحاولون تسريع نجاحهم المالي لكي يتقاعدوا مبكرا ويتفرغون لما يحبون عـمله فعلا.
مثـل كتابة المـقالات أمام الشاطئ…