#مقالات | طلال الجديبي: “التخطيط.. فرصة أخيرة أم دائمة؟”
نتأخر دائما، على المستوى الشخصي والمؤسسي، في عملية التخطيط المبكر. سترى في هذه الأيام الأخيرة من نهاية الربع الأول لعام 2021، الذي يمر سريعا جدا – ونراه مبشرا بإذن الله – كثيرا ممن لم يبدأ التخطيط بعد أو من سيبدأ الآن بمحاولة سطحية للتخطيط لما يتبقى من العام هناك من يقلل من أهمية التخطيط وبعضهم يتخلى عن عملية التخطيط يأسا من نفسه أو من جدوى التخطيط. يعتقد بعضنا أن تفويته فرصة التخطيط قبل بداية العام قد أنهى حظوظه بفرصة الترتيب المبكر والاستعداد. وهذا مجانب للصواب، لأن التخطيط ليس أمرا دوريا بالضرورة وليس شرطا دائما للبدء.
قد يتحقق النجاح والإنجاز في الحالات التي لم تبدأ بالتخطيط، لكن هناك حالات أكثر للنجاح والإنجاز لمن بدأ بالتخطيط، والانتقال إلى وضع أفضل مسألة مضمونة لمن يؤمن بالتخطيط المستمر ويملك المرونة اللازمة للقيام بذلك.
فكرة دورية التخطيط والقيام به كخطوة أولى مجرد فكرة مساعدة تتفق مع استخدامنا للفترة الزمنية للسيطرة على الوقت وتفاعلاته، هي مجرد مدخل تقليدي لمفهوم التخطيط وممارساته. يقوم التخطيط – وهو سلوك استعدادي في الأساس – على التفكير المسبق للحدث بوضع الخطط المحتملة له، ويشمل ما يشمل من وضع للفرضيات والاحتمالات والتجهز لها ومحاولة التأثير عليها، قبل وأثناء الحدث.
التخطيط، بطبيعته، أمر دائم ومستمر، وليس مرتبطا بالضرورة بفترة زمنية محددة ومشروط بحدوثه قبل البدء في فعل الشيء. صحيح، أفضل أوقات التخطيط ما كان مبكرا، بداية المشروع، بداية العام، بداية المرحلة، لكن فكرة التخطيط وقيمتها ستظل تحمل الجدوى والفائدة حتى لو تم تنفيذها في وقت لاحق للبدء، والأفضل أن تكون بالأساس فكرا مستمرا وأسلوبا دائما لمراجعة تفاعلات العمل الذي نقوم به والاستعداد له بدراسته ووضع الخطط والخيارات له. ولهذه الأسباب أصل التخطيط مستمر، وتفويته في البداية أمر عادي يقوم به الجميع، لا ينقص من قيمة التخطيط كثيرا.
بينما تفويت التخطيط بالكلية مشكلة ضخمة، لأنها تجعلنا نسبح في بحر العشوائية والفوضى، وهذا يقودنا دون شك إلى مشكلات الهدر والفقد والخلل.
هناك كثير من القصص التي يذكر فيها مشروع تم تخطيطه وتنفيذه بشكل سيئ ثم بعد نفاذ ربما 70 أو 80 في المائة من موارده وإنجاز 40 أو 50 في المائة منه، تتم مراجعته وإعادة تخطيطه ثم النجاح في تنفيذه بالتعلم من دروس الفشل. وهذا يحصل في المشاريع الكبرى، لربما رأينا مثل هذه القصة في تنفيذ مطار أو بناية، أو حتى ما هو أصغر من ذلك كمشروع مؤسسي صغير أو حتى في المشاريع والأعمال الشخصية.
العبرة أن إنقاذ الموقف لن يكون بتحسين التنفيذ بشكل مباشر فعملية التخطيط المستمر والفهم الجيد للواقع مع التنبه للمتغيرات التي تحصل به والاستجابة لها مطلب مهم لتحسين هذا الواقع.
هناك كثير من الممارسات والمفاهيم المتطورة المرتبطة بالتخطيط المستمر، خصوصا في بيئة العمل التقني والمؤسسي، لكن مفهوم التخطيط المستمر ينتقل اليوم حتى إلى البيئات التي اعتادت التخطيط التقليدي مثل أعمال البناء والمقاولات. هناك كثير من الأدوات والأدوار التي يتطلب التخطيط المستمر القيام بها التي تختلف حسب طبيعة الممارسات المختصة، مثل تحديد المستوى الذي ينفذ فيه التخطيط المستمر (استراتيجي/تشغيلي)، أو صلاحيات تعديل الخطط وإلى أي حد يقبل تغييرها.
التخطيط المستمر مهم بالقدر نفسه على المستوى الشخصي حيث تتعدد مرونته أكثر ويمكن القيام به بطرق مختلفة. الذي يبدأ العام بخطة وأهداف يقوم بأمر عظيم، لكن الذي يتابع أموره ويخطط باستمرار خلال العام يقوم بأمر أعظم. الفوائد كثيرة ولا حصر لها، يأتي في أولها اليقظة والفهم الذي يمنحنا إياه التخطيط المستمر، فهو يتفاعل مع المتابعة والتركيز بشكل إيجابي، يرتفع بهما ويرفع منهما. يساعدنا التخطيط المستمر على إعادة تصحيح المسار في الوقت المناسب، فما نفيته في منتصف العام يمكن تصحيحه بشكل مباشر، ليس من المنطق أن ننتظر إلى أن تبدأ دورة التصحيح في العام المقبل للقيام به.
كذلك يمنحنا التخطيط المستمر فرصة استغلال الفرص بشكل أكبر، فالفرص، سواء ارتبطت بالتعلم أو الاستثمار أو التواصل مع الآخرين، لا تتاح في كل الأوقات، والتخطيط المستمر من أفضل الممكنات لمعرفة الفرصة من غيرها، وتقدير أهميتها للمسار الذي نمضي به. لا يمكن أن نقول: إن هناك فرصة أخيرة للقيام بالتخطيط، وإنما هي فرصة دائمة لمن يريد أن يقوم به بالشكل المفيد.