استعرض الفنان القدير جاسم النبهان ملامح مشواره الفني في “حديث الاثنين” بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي.
حل الفنان القدير جاسم النبهان ضيفا على “حديث الاثنين”، ضمن فعاليات مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، وذلك في أمسية مميزة، أبحر خلالها إلى فترتي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ليرسو على شواطئ ذكرياته ويسترجع أهم الأحداث، ورغم أنه خضع لجراحة في عينه اليمنى في نفس يوم اللقاء، فإنه أبى إلا أن يلتقي جمهوره الذي حرص على متابعة الأمسية التي أدارتها الناقدة ليلى أحمد.
بداية، أعرب النبهان عن سعادته بالوجود تحت مظلة مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، ليتحدث عن تجربته من خلال هذا المنبر، قائلا: “هذا المركز الثقافي يعد مفخرة لنا كفنانين كويتيين وخليجيين، وأتمنى أن يكون لنا نصيب من المشاركة في أنشطته، مثلما كان لنا نصيب في المشاركة بأعمال في دور العرض التي أسست في بدايات الحركة المسرحية في الكويت، أو بدايات الدولة الحديثة، وهي مسارح كيفان والدسمة، وجميعها أعتبرها امتدادا لمسرح الأحمدي، ولا أنسى أيضا النوادي الأدبية والحركات الفنية التي أسست داخل المدارس والفرجان، وكانت جميعها محفزا لحب الفن، وأثرت في شخصيتي وأبناء جيلي أيضا، كان المناخ كله في هذا الوقت رائعا.
منطقة جبلة
وقال إنه نشأ في منطقة جبلة التي كانت تجمع كل أطياف المجتمع بين ميسور الحال وفقير، موضحا أنه “ربما العملية التكافلية التي كانت سائدة حينها لم تظهر ذلك الفارق الاجتماعي، ويبقى أن جبلة كمنطقة كانت تنضح بالثقافة، وأعتبرها بالنسبة لي بحرا، كما أن قاطنيها كان لهم دور مهم في النهوض باقتصاد البلد والحفاظ عليه، وهم أنفسهم الذين واكبوا الحركة الثقافية ودعم التعليم، ولا ننسى أيضا الدور المهم لبقية المناطق.
وحول تقبّل المجتمع لدخوله مجال الفن قال: “واكبت الفترة التي كانت تُعرض فيها الأفلام السينمائية التي تأتينا من مصر داخل المنازل، وذلك خلال حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، وكنا ننتقل من منزل إلى آخر لمشاهدتها، لذلك ساهم إدخال السينما في تثقيف المجتمع”، مؤكدا أن قيادات الدولة في ذلك الوقت وضعوا المسرح كأولوية، ومضيفا: “حمد الرجيب كان له دور كبير”.
التمثيل في الحي
وكشف النبهان أنه بدأ بالتمثيل في الحي، ومن ثم كان للنشاط المدرسي دور كبير في إبراز موهبته، مضيفا “النشاط المدرسي ثبت هذه الهواية لديّ وساعد في تنميتها، كانت الأنشطة متاحة على اختلافها والفرصة سانحة أمام كل بحث عن التميّز في أحدها، كانت المكتبة موجودة والمسرح كذلك، والمسؤول عن المسرح يتابع، وما نقدمه من “نهم” في الكشافة خلال السمرات كان النواة الحقيقية لبزوغ الفنان.
واستطرد: “وزارة التربية أو دار المعارف في ذلك الوقت استقطبت العديد من الفنانين من مصر ودول عربية أخرى للمشاركة في مهرجان المسارح بالمدارس المتوسطة عام 1957، ومنهم المخرج حسن عبدالسلام، وهو واحد من أهم المخرجين في المسرح القومي بمصر في ذلك الوقت، وأشرف على المهرجان”.
أما عن الشخصيات التي أثرت في تكوينه، فقد أوضح أن “كل مدرسينا في المدارس كان لهم تأثير كبير في تكوين شخصيتنا، ومنهم مدرس اللغة العربية، ومدرس اللغة الإنكليزية صالح شهاب، رحمة الله عليه”.
وتوقف النبهان عند الإرث الفني والثقافي الذي تركه الأجداد من منازل وأحياء، قائلا: “أتمنى ألا تطولها أيدي التغيير، ونحافظ على ما تبقى منها بنفس حالتها”.
جريدة يومية
وقال الفنان القدير إن فترات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات زمن الانفتاح والتنوير من خلال المسرح، مستطردا: “وما يثبت ذلك أنه كانت لدينا 4 فرق أهلية، وكل واحدة تضم ما لا يقل عن 7 أو 8 عناصر نسائية، فالجمهور حينها لم يرفض المسرح، ولم يحُل دون مشاركة المرأة”.
وأكد أن المسرح كان يتناول قضايا الناس، مضيفا: “كان أقرب إلى جريدة يومية تتصفح من خلاله أحوال المجتمع، ولعل تأسيس المسارح الأهلية الأربعة كان له أثر كبير في الارتقاء بالفن المسرحي الكويتي، وساهمت في التواصل مع الحركة المسرحية بجميع الدول العربية، فالمسرح هو موروث إنساني، لذلك أعتب على وزارة الإعلام والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، لأنهم لم ينشّطوا الفرق المسرحية الأربع، لأنها القادرة على إنعاش الحركة المسرحية.
وأضاف: “لدينا مهرجانات تستمر لأيام، لكن من يحضرها ويتابعها نحن فقط، تلك الفعاليات تخاطب النخبة هي التي تحضر وتتابع، علما بأن المسرح ليس للنخبة فقط، وإنما لرجل الشارع، لدينا كتّاب وممثلون ومخرجون، أعتبرهم أبطالا، ولهم باع طويل، ولكن غير معروفين للجمهور العام، لذلك من الضروري أن العمل الفائز في المهرجانات يعرض للجمهور فترة طويلة.
«نفع عام»
واستغرب النبهان ثبات ميزانيات الفرق المسرحية الأهلية طوال السنوات الماضية، موضحا أن “الفرق الأهلية أسست كجمعيات نفع عام بميزانية سنوية 15 ألف دينار تقريبا، في حين كل جمعيات النفع العام ميزانيتها لا تقل عن 30 ألفا سنويا”.
وأشاد بمبادرة بعض الفنانين الشباب بتقديم أعمال مسرحية موسمية مرتبطة بالأعياد، متمنيا أن تستمر فترة أطول.
فرقة قومية
وتمنى النبهان أن تشكّل فرقة قومية مسرحية تمثّل الكويت، موضحا أن “الفرقة القومية تضم عناصر عدة، ولا تقتصر على التمثيل والإخراج والتأليف فقط، وإنما تضم كوادر موسيقية تساهم في الحافظ على الإرث الفني الكويتي”.
وتساءل: أين تذهب الكوادر التي تخرج من عباءة المعهدين العالي للفنون الموسيقية والمسرحية؟ قائلا: “أين هم؟ ولماذا لا يحتضنهم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب؟”، ومشددا على أنه يدعم الشباب من منطلق واجبه الاجتماعي والفني.
وتطلع النبهان إلى أن تخرج فكرة الفرقة القومية من تحت مظلة مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، عبر توظيف طاقات المبدعين الشباب خريجي المعهد العالي للفنون الموسيقية والمسرحية.
كما رد الفنان المخضرم على مداخلات الحضور، حيث أكد أن المسرح يحتاج إلى فسحة من الحرية، مؤكدا أن الرقابة تكون في بعض الأوقات غير واقعية، مستدركا: “كنا في زمن نور، والآن ظلام، الكويت كانت أفضل في كل المجالات”.
التنمية البشرية
وأضاف: “الحكومة تريدنا أن نواكب خطة 2030، ويجب ألا تكون الخطة إنشائية معمارية فقط، وإنما تسير بالتوازي مع التنمية البشرية، لأن الفنان الكويتي جزء من التنمية، ويجب مراعاة ذلك”.
وتطرق النبهان إلى بعض الأعمال التي شارك بها مثل “قبل لا يكبر طيره”، لافتا إلى أن الكاتب عبدالأمير التركي يكتب مفردة قريبة من المجتمع، وكاشفا أن المسرحية كان من المفترض أن ترى النور مع مسلسل “الاعتراف”.
وقال: “ربما من منع المسرحية هو الذي منع المسلسل، العمل لم ير النور بسبب الرقابة”، مشيرا إلى أن مسلسل “لا موسيقى في الأحمدي”، الذي عرض خلال رمضان الماضي مُنع من العرض في تلفزيون الكويت لأسباب غير منطقية.
قال مدير عمليات مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، فيصل خاجة، في مداخلته: “في بدايات الدولة كانت تنفق على مجالات كثيرة، منها الرياضة والثقافة والفنون، وإنشاء الفرق المسرحية الأهلية، وكان ذلك في البداية، ولكن من الصعب أن يستمر، لأنه سيمثّل عبئا على الدولة مع النمو الكبير، لذا فإن الحل أن يبادر القطاع الخاص وهو نموذج متعارف عليه في العالم، والتحدي الأكبر أن حجم السوق في الكويت صغير جدا، وبالتالي المنافسة صغيرة.
وكشف خاجة أن النبهان سيشارك في عمل مسرحي مهم مع بداية موسم مركز الشيخ جابر الثقافي المقبل.