آراء

د.دانة علي العنزي: العلاقة بين السلطات في الدستور الكويتي «2-2»

ترتب على وجود شوائب في التجربة الديمقراطية في الكويت ظهور عدد من الأزمات الدستورية والسياسية في الكويت، يتم ذكر منها ما يلي:
1- أزمة عام 1964: ونتجت بعد استقالة الوزارة الثالثة بعدة أسابيع من تكوينها في 6 – 12 – 1964 لأنها لم تستطع أداء القسم الدستوري، وسبب الاستقالة هو اعتراض التكتل القومي في مجلس الأمة على تشكيلها، كون غالبيتها من التجار، وهذا ما يتعارض مع الدستور، إذا لا يجوز الجمع بين التجارة والعمل الحكومي، وبسبب عدم تجاوب النواب مع طلبه في إكمال النصاب القانوني في المجلس، فقد استقال رئيس مجلس الأمة وتبعه في الاستقالة تسعة نواب في المجلس، بسبب اعتراضهم على التشكيل الوزاري، ويسبب عدم قدرتهم على مواجهة إقرار القوانين المقيدة للحريات ومنع الحديث في السياسة في النوادي، وإغلاق الصحف.
2- أزمة عام 1967: ونتجت بسبب تدخل الحكومة في انتخابات مجلس الأمة الثاني، التي جرت في 25 – 1 -1967، بشكل علني، لتضمن نتيجة الانتخابات لمصلحتها خشية تمكن المعارضة الممثلة بكتلة حركة القوميين العرب من تقوية نفوذها داخل المجلس وعدم عودة هذه الكتلة إلى المجلس، وهذا ما حدث فعلا، فلم تتمكن عناصر حركة القوميين العرب، بسبب التزوير في الانتخابات من الحصول على الأصوات اللازمة لدخول المجلس، وفي 27 – 1 – 1967، وقع 38 مرشحا ومن ضمنهم ستة مرشحين نجحوا في الانتخابات، بيانا يشجبون فيه تلاعب الحكومة بنتيجة الانتخابات، وتضامن مع هؤلاء أحد الوزراء ومعظم الجمعيات المهنية والنوادي، وبذلك دخلت الكويت في أزمة دستورية جديدة.
3- أزمة عام 1976: بدأت برفع مجموعة النواب الوطنيين شعار تأميم الشركات النفطية ومطالبتها بالإصلاحات الإدارية الجذرية وإنشاء محكمة إدارية وأخرى دستورية، إلى حد لم تستطع الحكومة قبوله، ما جعلها تقدم على حل مجلس الأمة بطريقة غير دستورية وتعليق بعض مواد الدستور (107 – 174 – 181) التي تنظم العلاقة بين الأمير والمجلس، كما أصدرت الحكومة قرارا بتشكيل لجنة لتعديل الدستور ، وهو ما يعني تجميد نشاط المجلس تماما ، وقد ذكر ولي العهد في ذلك الوقت «جابر الأحمد الصباح» أن هناك من يستغلوا المناخ الديمقراطي لبث الفرقة والشقاق بين أبناء الوطن وتشويه القيم العربية الأصيلة ، وهكذا عاش الكويت أربع سنوات كاملة في حالة فراغ دستوري وتشريعات غير دستورية .
4- أزمة عام 1986: بدأت هذه الأزمة عندما حاول مجلس الأمة تفعيل بعض الصلاحيات الرقابية التي يتمتع بها ، فقدم استجوابا لوزير العدل في ذلك الوقت ، وهو أحد أفراد أسرة آل الصباح ، ثم طرح اقتراحا بطرح الثقة منه ، ووافق المجلس على الاقتراح بعدم الثقة بأغلبية وصلت إلى (44) نائبا من النواب الخمسين، ما أدى إلى استقالة الوزير قبل التصويت على الاقتراح، ثم سعى المجلس بعد ذلك لاستجواب وزراء آخرين، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يستخدم فيها مجلس الأمة الكويتي مثل هذه الصلاحيات، فيما يتعلق بمسألة الوزراء والحكومة، فضاق الأمير بذلك وقام بحل المجلس في عام 1986، و جمد بعض مواد الدستور ، واعتبرت الحكومة ذلك المجلس عدوانيا ، وأنه أساء استخدام صلاحياته الدستورية، كما تم تعيين رقيب حكومي في كل صحيفة أو مجلة داخل الكويت أي أصبح تقييد حرية الرأي وحرية الصحافة هي السمة الغالبة لتلك الفترة.
ونتج عن ذلك استياء شعبي فوري، الأمر الذي دفع 32 نائيا من النواب الخمسين لمجلسي الأمة لعام 1985 إلى معارضة هذه الإجراءات، وتمكنت بعض الشخصيات الأكاديمية والاجتماعية من مختلف المشارب والانتماءات ، سميت بمجموعة الـ 45 من تجميع 30 ألف توقيع من المواطنين الكويتيين ممن يحق لهم الانتخاب والترشيح للمطالبة بإنهاء حالة الفراغ الدستوري ، من خلال الحوار مع الحكومة، واعتبرت هذه المجموعة بمثابة أبرز القوى السياسية التي تشكلت في هذه الأثناء وتمكن هذا التجمع إضافة للتكتل النيابي الذي تشكل تحت اسم الحركة الدستورية ، من قيادة العمل الشعبي والمطالبة بعودة العمل بالدستور.
وتعد هذه الأزمة الخامسة في سلسلة الأزمات الدستورية التي تمر بها البلاد، والتي تعبر جميعها عن تزايد حده الصراع السياسي ومساسه بقضايا حيوية لنظام الحكم القائم مع أن المعارضة لم تطالب بتغيير نظام الحكم ، بل دائما ما كانت تنادي بالتمسك عن طريق الدعوة للتمسك بالدستور والحكم الدستوري ، ولكن يبدو أن العائلة الحاكمة في الكويت لم تستطع تقبل المشاركة في الحكم ، حتى لو كان ذلك من خلال الصيغة الدستورية الشرعية ، وهو ما ألحق بالتجربة الديمقراطية الكويتية العديد من الإخفاقات .
ويمكن أن تلخص الدراسة أهم المظاهر والأسباب الكامنة وراء الإخفاقات التي لحقت بالتجربة الديمقراطية في الكويت بالأمور الآتية:
– حل المجلس بعيدا عن أحكام الدستور مرتين عام 1976 وعام 1986.
– إنشاء ما سمي بالمجلس الوطني بديلا عن البرلمان عام 1990.
– عيوب وقصور الوثيقة الدستورية في العديد من الجوانب.
– ضعف دور السلطتين التشريعية والقضائية في مواجهة السلطة التنفيذية.
– صدور قوانين مقيدة للحرية وعدم التصدي لها .
وقد كان لتلك الأزمات أبلغ الأثر على الأمن القومي الكويتي، حيث شهدت البلاد العديد من فترات البلبلة وعدم الاستقرار وبعض أعمال الشغب في بعض الأحيان، بالاضافة إلى أن العديد من السياسات العامة كان يتم وضعها دون تنفيذها نتيجة لتغير الحكومات بشكل مفاجئ.

 

د.دانة علي العنزي

دكتوراه في العلاقات السياسية الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

زر الذهاب إلى الأعلى