بين صفحات إحدى روايات الروائي الكويتي سعود السنعوسي كنت غارقة فيها حتى الشعور بخدر يُلغي معه الحياة من حولي، حتى قاطعني صوت فضولي أخرجني من بين السطور وانغماسي الشديد بالشخصيات، ليتساءل بتعجب كيف أقرأ!
كيف أقرأ بيوم مزدحم يعج بالمواعيد الهامة والانشغالات المتعددة التي لا تُبقي لنفسي إلا سويعات أجلس فيها على مهلٍ أريح فيها عقلي المشتت بين هذه المهمة وتلك.
ولكن الكثير ممن حولي يجهلون بأن القراءة جزء أساسي في يومي بل و أول أولوياتي والمهمة الأهم لأنجزها في خضم الأعمال اليومية المُكدسة.
ولأن أغلب أمة إقرأ لا تقرأ ُيثيرها القارئ وتستغرب إقباله على القراءة بنهم يُضاهي فيه نهمهم اتجاه مختلف مواقع التواصل الاجتماعي واستغراقهم وولعهم فيها.
لن أبجل مفهوم القراءة كالعديد من الكتّاب وأحث عليها كما في ملايين المقالات التي تُعنى بهذا الشأن _ الثقافة_ أو أدعو شعوبنا العربية الغارقة في عوالم التيه والتي تغفو كلما لمحت صفحات من كتاب، أن تقرأ.
أكتب هذا المقال لكي أدعوكم قرائي الأعزاء لتتوقفوا عن استنزاف شغفنا ومحبتنا _أنا وأقراني المهتمين بالقراءة_ لأرفف الكتب وتستصغروا من اهتماماتنا المتعلقة بالكتب والمؤلفات الأدبية التي بقدرتها العجيبة تسافر بنا أنحاء العالم الفسيح ببضع دقائق مع شخصيات تبدو أكثر واقعية من محيطنا الواسع الضيق.
لا شيء يستفز العقل ويحرك أنهار أفكاره أكثر من القراءة ولذلك تجد القارئ يعيش حيوات عديدة يقابل من خلالها الأقلام التي قد خُطت سطورها بعناية لتتراقص على بياض الصفحات؛ لتستشعر الأفكار العميقة والأحاسيس الجياشة التي تولد من العدم في هذه الصفحات ولتبقى شاهدا على طقوس ميلاد الكلمة وتأثيرها على العقول العطشى الظمأة لتلقي التجارب الانسانية والاجتماعية والتي بدورها تلون خيالات القارئ وتعبث بأحلامه لكي يصبح شخصا أخر، شخصا أكبر من عمره وأكثر خبرة، يصبح لديه نشاط عقلي عقلاني يفسر ويحلل ويقرأ الآخرين بمنطق الحس والخبرة القرائية.
يقول الكاتب غيلبرتهايت: ” الكتب ليست أكوام من الورق الميت، إنها عقول تعيش على الأرفف”. هي حية ترزق تنتشل القارئ من غياهب الجهل والغفلة الى أنوار المعرفة التي تفك القيود على العقول المتحجرة وتبرهن على قابلية الأوراق على إنعاش النفس البشرية التواقة لممارسة الحياة في طريقة مغايرة تحرر النفس وتوقظ الأمل فيه.
سوسن إبراهيم