عملية التعلم والحصول على نتائج تؤدي إلى معرفة جديدة تمر بتغيرات كبيرة إلى يومنا هذا، وعلى الرغم من صعوبة استيعاب بعض هذه التغيرات في المجال التعليمي إلا أن هنالك الكثير من النماذج التعليمية قد شقت طريقها إلى المؤسسات التعليمية وكذلك للمؤسسات غير التعليمية حيث يكون استيعاب واستخدام المعرفة والمفاهيم الجديدة أمرًا ضروريًا للحفاظ على بقائها ونشاطها.
في هذه الأثناء، ومع تزايد حقول المعرفة وتطور المنظمات الإنسانية في عالمنا المعاصر، أصبحت للقضايا والمسائل العلمية المعقدة تأثيرات اجتماعية واقتصادية عميقة على المجتمعات والأفراد. ونتيجة لذلك، قد تصبح عملية التعلم شائكة في بعض المجالات والحقول المهمة كالابتكار ونقل التقنية والعولمة بالإضافة إلى القضايا المتعلقة بالبيئة والمناخ والتي تبين من خلالها أن المنظومة التعليمية اليوم بحاجة ماسة إلى طرق مبتكرة في طرح المسائل العلمية المعقدة التي غالبًا ما تخضع لاختلافات كبيرة وطرق متعددة في استيعابها وهو الشيء الذي يعطل التعامل معها ويعرقل تطبيقاتها المجدية.
من هذا المنطلق وبإشراف عميد كلية الدراسات العليا وأستاذ التقنيات الحيوية في جامعة الخليج العربي أ.د محمد دهماني فتح الله وبمشاركة الزملاء الباحثين في برنامج الدكتوراه لإدارة التقنية والابتكار، نشرت المجلة الأمريكية للبحوث التربوية ورقة علمية تطرح “التعلم التوافقي” كمفهوم تربوي جديد مع تطوير طريقة مبتكرة لتطبيق هذا المفهوم في تدريس المسائل المعقدة لطلبة الدراسات العليا.
لهذه الدراسة دور مهم في إنشاء مفهوم “التعلم التوافقي” Consensual Cooperative-Learning بحيث تم طرح طريقة مبتكرة لتعليم وتعلم المسائل المعقدة، بالإضافة إلى إظهار فائدة الجمع بين مختلف عمليات التعلم، مثل التعلم الذاتي الفردي Individual Self-Learning والتعلم الذاتي التعاوني Cooperative Self-Learning. وأشارت نتائج هذه الدراسة إلى أن جميع طرق البحث عن المعلومات وإدارة البيانات ومناقشة الجوانب المختلفة لأي موضوع تحتاج إلى أن تكون موجهة بحكمة نحو الانسجام والتفاهم التوافقي. حيث يعتمد ذلك بشكل كبير على طريقة بناء المعلم لأنماط تفاعل المتعلمين فيما بينهم خلال مرحلة التعلم الذاتي التعاوني. وبهذا الصدد نستذكر نظرية المعرفة الإسلامية والتي كانت مسؤولة عن ازدهار ثقافة التفكير العلمي العقلاني الذي شمل أيضا مجالات على الصعيدين النظري والعملي كفكر ابن رشد الذي كان مدخلاً مهماً لمفهوم التوافق والإجماع من خلال ما طرحه على سبيل المثال في كتابه “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” والذي يبين فيه مواضع اتفاق وإجماع العلماء في المسائل الشرعية وأكد بذلك تأثير التوافق والإجماع في أن يؤلف بين قلوب أفراد الأمة الإسلامية ويساعد على جمع كلمتها.
وفي النهاية يمكننا استخلاص أن لتوسع مفهوم “التعلم التوافقي” دور فعال بسد الفجوة بين طرق وأساليب التعليم عبر إدخال الجانب التوافقي في تحقيق الإدراك والفهم المشتركَين لمواجهة المسائل العلمية المعقدة في مختلف المجالات والقضايا المعاصرة. يعتبر نشر هذا العمل في مجلة الجمعية الأمريكية للبحوث التربوية إنجازًا جديدًا ودليلاً واضحاً على القيمة العليمة العالية لهذا الموضوع الهام لا سيما وأن النشر في هذه المجلة يعتبر نشر في إحدى أفضل بوابات النشر العالمية.
سيد هاشم سيد عبد المجيد الموسوي
باحث دكتوراه
إدارة التقنية والابتكار
جامعة الخليج العربي – مملكة البحرين
يناير 2019