في إحدى ليالي الشتاء القارص وتحديداً في المدينة الفاضلة ، بزغَ نجمُ الوليد الرضيع ومن حولهِ غياهب الضجر ، وكانت الصدفه أن موعد ولادته كانت في تاريخ ١٠ كانون الأول / ديسمبر ١٩٨٦ في ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان ، بدأ الضجيج من حولهِ وبدأ النزاعُ على تسميتهِ بترقبٍ شديد وكأنما موضوع إسمهُ للملأ (سري للغاية)!
وبعد استشارات الأبوين لإسمٍ يُناسبَ وليدهم ، كان الإجماع على إسم ( آدم ) وتم الإختيار تيمُنً بالنبي آدم أبُ البشر ، والدُ هابيل المُنصف وقابيل المُسرف و جدُ الأبيض والأسود والمؤمنُ والمُلحد ، فمن صلبهِ نشأت الديانات والأعراق والمذاهب ، ومن نسلهِ تزاحموا العنصريين واللا عنصريين والطائفيين والمحافظين .
بلغَ آدم من العمر ٧ سنوات وهو لا يعرفُ أنهُ مواطن من فئة غير مرغوب فيها ! ، بدأ العام الدراسي الأول وفي إحدى الحصص الدراسيه سألهُ المعلم عن إسمه وجاوبه: آدم .. فسأله عن جنسيته فجاوبه آدم أنه إنسان يحملُ جنسية المدينة الفاضلة ، فبدت ملامح الهمز واللمز على المعلم وماكان من المعلم إلى تصحيح المعلومه ليخبر آدم أنهُ من الفئة المغضوبة عليها من أحفادِ أبُ البشرية المخلوقين من طينٍ وماء ! .
تسابقت الأعوام وترادفت وآدم في حيرة من أمره يملك شهادة غير صالحة للإستهلاك البشري ! ويملكُ طموحاً قد يتلاشى من لهيب الحاقدين ويملكُ هدفاً قد يسقطُ في داعي التسلُل !
فإلتجأت الأفكار إلى الأعماق لتبدأ التساؤلات من آدم عن هويته ، وكان الجواب أنهُ “بدون” هوية وبدون إنتماء في بقاع الأرض في أدنى الدور دار الفناء ، وإنه عند الرب الرحيم ربُ السماء مخلوقٌ مُتساوياً مع نمرود وقارون وهامان وفرعون !.
نطقَ الأنينُ وقال .. والقلبُ يهتفُ بإشتعال
هكذا هم أحفادُ قابيل .. جرعونه حِرقةً وتنكيل
بأعماقهم نبتَ الداء
داءُ جبروت الكبرياء
فليس هُم في عِبر القُرأنِ قاصدين ،، وذا قولٌ حكيمٍ من ربِ العالمين
( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ )
تراكمت الأحداث على آدم من كل حدبٍ وصوب وضاقت بهِ الأرض كأنها تابوتُ ، توجه بعد عناءٍ شديد في الأرجاء باحثاً عن عمل ، فقوبل بالرفض بحُجةٍ أنهُ يحملُ دماً أحمر لا يتفاعل مع الدم الأزرق !
توقدت النيران واشتعلت في مشاعر آدم ، وتمضي السنين والحالُ من أسوءٍ إلى أسوء ، تطايرت الأفكار وتشتت ما بين هجرة واستقرار وهجوعٌ وانتظار ، والدهرُ يجري والإعصار الجائرُ يعصفُ في الأعماق .
آدمُ نائم من جور الحياة ومشاعرهُ في إحتراقٍ وإشتعال ، إلا أن صادف في الحُلم كهلاً من إحدى العصور الخاوية مواسياً لهُ بما جرى عليه من عُسرٍ وظلم ، ناقلاً لهُ بعض الصور من محاكم التفتيش وما فعلتهُ بالمسلمين الأوائل وبعض الصور من المجازر الأوروبيه في الهنود الحمر وبعض الصور من الإضطهاد المغولي وبعض الصور من ملحمةِ كربلاء .
إستيقظ آدم مفجوعاً لما رآهُ عارفاً بسُننِ الجائرين عازفاً لحنُ المضطهدين ، والصبرُ على البلاء يملئُ خافقيهِ والأملُ مُعانقاً شفتيه مُردداً حكمةٌ جرت على فمِ لُقمان نطقها أميرُ البيان ( عجبتُ لإبن آدم أولهُ نطفة وأخرهُ جيفة ، وهو قائمٌ بينهما وعاءٌ للغائط ، ثم يتكبر ) !
مناحي الشريف
Twitter.com/menahi89