يجد كثير من الناس معضلة في تحقيق النجاح في حياتهم الخاصة أو العامة لأنهم لا يملكون المقياس المناسب، فربما يقضي الموهوب عمره كله بحثاً عن نتائج لا وجود لها، أو عن نجاح لا يعرف ملامحه العامة. في كتاب (كيف ستقيس حياتك) يضع الكاتب للحياة مقياسين يجدر بنا الموازنة بينهما فلا يطغى أحدهما على الآخر، المقياس الأول هو الحياة العامة والمقياس الآخر هو الحياة الخاصة، فإذا مال أحدهما على الآخر، سيجد الإنسان نفسه قد عاش حياة ناقصة، وربما ندم على القرارات التي اتخذها، وكما علينا أن نختار القياس المناسب لحياتنا عموماً، علينا أن نختار القياس المناسب لمنجزاتنا أيضاً.
إن فكرة الفصل بين الأداء والنجاح تؤدي لمقياسين منفصلين، فكرة أساسية تذهب بعيداً أكثر مما نتصور، فكما وجدنا من قصة اختراع التكامل والتفاضل بين لايبنتس ونيوتن، حيث كان اختيار المنهج في أول الأمر متأثراً بعوامل اجتماعية مهدت لنجاحه، نجد أمثلة أخرى شبيهة لمناهج لم تنتشر لأنها حققت شرط الأداء دون شرط النجاح، ففي علوم الحاسب والجانب البرمجي خصوصاً، يشيع منهج على حساب آخر لأن شرط النجاح هو المقياس الأهم للممارسين في المجال، فعند البدء بتطوير نظام ما، يوصي المختصون بخطوات محددة لبناء النظام يندر أن يتبعها أحد. ورغم أن المختصين يبذلون جهداً كبيراً في كل المناسبات لشرح أفضلية الخطوات التي يوصون بها، ويجتهدون في استخراج منهجيات جديدة بمسميات مختلفة تستنسخ بعضها،
إلا أن الممارسين ينصرفون بهدوء، وإذا نظرنا إلى هذه الظاهرة للحكم عليها من زاويتي الأداء والنجاح لاكتشفنا أشياء كثيرة. المختصون، وإن كانوا ممارسين في الأساس، يستخلصون أفكاراً من واقع تجربتهم ويقدمونها نصائح عامة، ويجتهد هؤلاء في عرض مقاييس الأداء التي تبرهن أفضلية أفكارهم التي تقدم في هيئة منهج أو مبادئ، عندما يرى الممارسون مقاييس الأداء مقارنة بمقاييس النجاح، لا يتحمسون لها كثيراً. فإذا كان معيار النجاح هو القدرة على التنفيذ، فالأسهل تطبيقاً ولو ظاهرياً هو المختار، لذلك تذهب جهود المختصين سدى في البرهنة على جودة الأداء إذا أغفلوا أن النجاح ممكن بمنهجياتهم أو من دونها.
من أجل ذلك تشيع المنهجيات الأكثر شعبية بين الممارسين إذا استطاعت أن تحقق شروط النجاح بأقل جهد، وكما ذكرنا سابقاً، إذا كان الأداء مفتاح النجاح، فاختيار المفتاح معتمد على الباب الذي يفتحه. في اختراع التكامل والتفاضل كان النجاح منعقداً بين مفتاحين كلاهما ينافس على فتح باب المعرفة الجديدة على مصراعيه، وفتح لايبنتس الباب أولاً وتبعه الجميع. في البرمجيات، باب النجاح يولج بمفاتيح مختلفة شكلاً ولوناً، وفي كل يوم نجد مفتاحاً جديداً له بدائل كثيرة، حتى نصل إلى باب جديد تقف كل المفاتيح دونه عاجزة ولمدة طويلة، عندها يكون للمنهجيات المبتكرة الدور الذي يرجوه أصحابها.